انطلاقا من قواعد (نظرية تحليل الخطاب السياسي) والوسائل المنهجية في (تحليل مضامين) الرسائل النخبوية استطعنا رصد العديد من الدلالات في خطاب السلطان قابوس المفدى لشعبه يوم (الخامس من نوفمبر 2014) وكان من أهم الرؤى التي توصلنا إليها أنّ الخطاب جاء ليجمع بين خطين متوازيين، من الخطلب، خط (الخطاب السياسي النخبوي)، وخط (الخطاب الشعبي الجماهيرى) وهذا الأخير؛ يتميز ببقاء تفاصيله على ألسنة المواطنين لفترة أطول حيث تسير مفاعيله ببطئ في نفوس المستمعين فيشحذ أذهانهم بخطى ثابتة، وفي هذا النوع من الخطاب نجح السلطان قابوس كعادته أن يصارح شعبه ومواطنيه ومحبيه ويطمئنهم على حالته الصحية بلا واسطة أو متحدث رسمي ينوب عنه وهذه استراتيجية مقصودة رسختها معرفة جلالته الدقيقة بالثقافة العُمانية وما تجذَر في الذهنية العُمانية من قيم عديدة من أهمها سماتها: رفض الشخصية العمانية لكل مخيال أو أساطير ومقتها للإشاعة وإيمانها فقط بالحقيقة، والتمسك بعقيدتها التي تربط بين (البصر والبصيرة) فخرج إليهم جلالته في و(قاره)، و(أبويته) و تحدث إليهم بـ(صوته وصورته) وهو ما يسمى في علم الفلسفة بـ(عين اليقين). وتبين من لغة الخطاب التي مزجت بين العقلي والعاطفي أن سلطان البلاد كان على يقين بأن خطابه في هذه اللحظات الحرجة يلبي مطلبًا جماهيريا، ويحقق(رغبة عارمة ومُلِّحة) لشعبه فخرج مخاطبًا العقول ومهدئا للنفوس التواقة لمعرفة أخباره، وقد حقق بذلك أكثر من هدف في رسالة قصيرة يمكننا هنا سردها:
أولا التأكيد على قيمة المصارحة وهي قيمة عُمانية بامتياز وهي سمة شائعة في أحاديث جلالته حتى صارت أقوالا مأثورة وكان السلطان ذاته يرددها على مسامع زائريه من سياسيين وصحفيين. ومن المأثور عنه في هذا المجله عبارته الشهيرة الذكرأحدثك بصراحةٍ عُمانية).
ثانيُا نجح السلطان قابوس عبر هذا الخطاب القصير أن يقطع (ألسنة الشائعات) التي رددتها بعض الفضائيات العربية غير المسؤولة وهي من سفاسف الأمور التي أضجت مضاجع العمانيين والمقيمين في سلطنة عُمان كثيرًا.
ثالثًا – استطاع السلطان أن يؤكد للقاصي والداني من أقصى الأرض إلى أقصاها أنّ (المرض حالة بشرية) و الحقيقة التي يجب أن يتعلمها الصغير قبل الكبير أن الأمراض لا تهدّ عزائم القادة العظماء ولا تنال من مصائر شعوبهم، ولا تؤجل مشاريع الدول القومية والكبرى.
رابعًا لقد حقق قابوس المفدّى من خلال هذا الخطاب القصير (أمنية شعب ووطن)، من خلال إطلالته التي ينتظرها شعبه على جمرِ القلق حيث طمأن محبيه وشعبه الذي يجمع له بين ثلاث صفات مترابطة (الأب والقائد وباني النهضة) وثلاثتها لا تنفك تتواشج وكأنه صفة واحدة.
خامسًا كان الخطاب دقيقا ومركزًا حيث (لخص جلالته مسيرة النهضة المباركة) في فكرة لا تزيد كلماتها عن إحدى عشرة كلمة) مبطنة بدعوة شعبه وقواته المسلحة للحفاظ على المكتسبات وصيانة المنجزات والاتجاه نحو المستقبل لتحقيق الخطط المرسومة واستكمال المسيرة.
إذن فالسلطان قابوس جمع في خطابه بين مزايا نوعين من الخطاب في خطين متوازيين (خط الخطاب الجماهيري التعبوي والأبوي)، و(الخطاب السياسي النخبوي)، مضافًا إليهما قوة صاحب الخطاب نفسه ومدى تمتعه بالقبول الشعبي والسياسي العام، وأيضاً مدى قدرته على الانفتاح على شعبه ومحبيه بغير قيود والسرعة في المباشرة في تناول الأحداث الجارية.
وأخيرًا نجح السلطان قابوس أن يبعث للجميع برسالة واحدة مكثفة تضمنت مجموعة من العناصر :
1- التأكيد على التمسك بالدين والتراث والتقاليد العُمانية كركيزة من مرتكزات المجتمع العماني حيث ذكر جلالته كلمة (الله) لفظا ومعنى أكثر من 9 مرات متتالية، ٦ مرات متفرقة وهو ما يؤكد على عمق وتجذّر الاتجاه الديني في فلسفة حكمه كما عهد فيه شعبه.
2- التأكيد على مسيرة النهضة وضرورة تواصلها وبمشاركة جميع العمانيين وتذكيرا لشعبه بدعوته الشهيرة (عُمان شعب واحد ومصير واحد) التي أطلقها في بداية السبعينيات من القرن العشرين
3- التأكيد على أن العمانيين قد نجحوا في بناء (دولة عصرية)، و(دولة مؤسسات حقيقية). وأنّ النهضة استوت على سوقها وبدأت تؤتي ثمارها.
4- التأكيد على رعاية جلالته لقواته المسلحة ودعمه لها لتكون (درع الوطن) و(حارس النهضة)، و(حامي تراب (عمان).
5- التأكيد على متابعته (شخصيا) لمسيرة الوطن والمواطنين وخطط التنمية وأنّ الأمور تسير بالوتيرة نفسها من الجد والكفاح.