29 مايو 1986
أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله – أن ( السلطنة اعتمدت سياسة اقتصادية شاملة للسنوات الخمس والعشرين القادمة لزيادة وشمولية حركة التنمية في البلاد وتنويع مصادر الدخل القومي والابتعاد عن أن يبقى اقتصادنا معتمدا على الدخل من النفط).
وقال جلالته – حفظه الله – في حديث شامل أجراه مع جلالته رئيس تحرير جريدة الحياة الصادرة في لندن أمس أن ( السلطنة وضعت تصوراً شاملا لما سيكون عليه الوضع الاقتصادي للبلاد خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة وإن حكومة جلالته تركز وتعطي اهتماما كبيرا إلى الجانب الاقتصادي وتطويره ليواكب حركة التنمية والبلاد وذلك بهدف المحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال ربع القرن الماضي من عمر النهضة المباركة ، وإضافة إليها المزيد من الإنجازات).
وأكد جلالة السلطان المعظم أن ( الطموحات كثيرة بلا شك وقد تحقق منها البعض والبعض الآخر – إن شاء الله – سيتحقق )، مشيراً جلالته – حفظه الله – إلى أن ( التنمية الحقيقية هي التنمية البشرية، ولم تكن هذه المهمة سهلة خاصة إذا نظرنا إلى السلطنة؛ فالناس ليسوا في مكان واحد بل في أمكان كثيرة متفرقة وعلى مدى السلطنة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها).. وأكد جلالته : أنه (تم خلال عملية التنمية التي شهدتها البلاد المحافظة على الهوية العمانية حتى لا تذوب في مجرى الأحداث، والحفاظ على عملية التوازن بين الماضي والحاضر وبين التقاليد الموروثة وما استجد من أمور حضارية حتى يكون الإنسان العُماني إنسانا متوازنا لا ينسى ماضية ويأخذ منه ما هو خير ولا يكون بعيدا عن حاضرة ويأخذ منه ما هو خير .. هذه كانت معادلة ليست سهلة وكانت تؤرق في البداية إلى أن مضت السنوات وتعلم الإنسان العُماني وتثقف ووصل – الحمد لله – إلى مستوى لا بأس به حينها بدأت أشعر بالأمان وبأننا حققنا التوازن المطلوب).. وأضاف جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم( أن الخطط الاقتصادية المستقبلية ترمي إلى تنمية مختلف أوجه الاقتصاد الوطني بما في ذلك تنمية الثروة السمكية ، وتنمية السياحة بالتدرج دون فتح الباب على مصراعيه) ،مشيرا إلى أن الصناعة الوطنية بدأت تأخذ دورها المطلوب وأن القطاع الخاص أخذ يلعب دوره المطلوب في اقتصاد البلاد)، معبرا جلالته عن ( اعتقاده بأن كل هذه المعطيات ستؤدي إلى ضمان مستقبل جيد في البلد).
وحول سياسة التخصيص التي تنتهجها السلطنة وأبعداها؟
قال جلالته: – حفظه الله – (إن السلطنة ستمضي قدما في تخصيص بعض المؤسسات التي لابد أن تكون للحكومة يد عليها لمصلحة المواطنين فتلك المؤسسات ستبقى في يد الحكومة إلى أن يأتي الوقت المناسب ولكن في كل الأحوال ستكون الحكومة مشرفة على القطاعين).. وتطرق جلالته في حديثه مع جريدة الحياة اللندنية إلى تجربة الشورى في السلطنة والتي تطورت صيغتها ووظائفها خلال السنوات الماضية وقال جلالته : ( تدرجنا من المجلس الاستشاري إلى مجلس الشورى والذي يترشح أعضاؤه. ومجلس الشورى يشارك الآن في تحمل المسؤولية وبالتالي فنحن نتدرج حسب الظروف وحسب المستجدات وفي مثل هذا المجال الأمور تأخذ طريقها الطبيعي).
وحول كشف شبكة التنظيم السري في السلطنة من عامين والتي اعتقل أعضاؤها وتم الإفراج عنهم جميعا في أوقات لاحقة وفيما إذا أصبحت السلطنة الآن بمنأى عن التيارات الأصولية التي تنمو في المنطقة؟
قال جلالته: ( مايسمى بالتيار الأصولي فنحن كلنا مسلمون، ونحن نعتبر أنفسنا ندين بدين واحد والكل مسلم، وأيضا هناك ديانات أخرى للمقيمين أو الموجودين في البلد وهذه أيضا حرية عبادتهم مكفولة من قبل التشريعات في البلد لذلك من يدعي أنه أكثر إسلاما من الآخرين فهذا ادعاء في غير محله وبالتالي هؤلاء لابد أن يفهموا أنه لا مجال لهم في بلد مثل عُمان أبدا وليست لديهم الحجة لأن الشعب في هذا البلد لا يتبع تيارا معينا أو يسير في مسار آخر غير مساره الذي ارتضاه لنفسه منذ مئات السنين وأبناء عثمان حملوا لواء الإسلام لمناطق أخرى خارج بلادهم وهذا شيء معروف شرقا وغربا لذلك أعتقد انه غررَ بهم من منظمات خارجية لها أهداف أخرى وهؤلاء غُررَ بهم وقيل لهم إن هذا هو المسار الصحيح وأنهم على حق والآخرون على خطأ لكن أعتقد أنهم أدركوا أن هذه ليست هي الحقيقة لأن الحقيقة عكس ذلك. لذلك أستطيع أن أقول : (إن السلطنة – إن شاء الله – ستحافظ دائما على هويتها وعلى إسلامها كما يحب ).. فهؤلاء (المنظمات) أرادوا أن يكونوا خلايا سرطانية – لكن الحمد لله – إن هذه الخلايا قُضِيَ عليها).
وردا على سؤال حول دعوة السلطنة في أكثر من مناسبة إلى تكثيف الجهود الدولية لمواجهة التطرف الديني ورؤية السلطنة لأسباب هذه الظاهرة وسبل علاجها؟
قال جلالته: (إن هذه الظاهرة إنما تغرر بصغار العقول ومن عنده فراغ ثقافي أو ديني ومن ليس عنده وضوح الرؤيا في مثل هذه الأمور)، وأضاف جلالته: (إنني أعتقد أن الأجهزة المعينة في كل الدول يجب أن تقوم بواجبها لتوضيح الأمور والتوجيه السليم لمثل هؤلاء الناس الذين لا يفهمون الفهم الصحيح ويأتيهم من يأتيهم ويغرر بهم أو أن هناك الجهل والجهل ما من شك آفة فإذا قضي على هذا الجهل بالتوعية أعتقد أن الأمور ستسير في مسارها الصحيح في كل الدول التي تعاني من هذه الظواهر .. وكذلك الأمور الاقتصادية لها أيضا دور فالجائع أحيانا قد يستمع إلى أي طرف يقول له أنا الذي سأنقذك مما أنت فيه).. وبالنسبة للتنسيق المشترك بين الأطراف العربية حيال هذه الظاهرة التطرف قال جلالة السلطان المعظم: (أعتقد أننا نستطيع أن نقول إنه لا يوجد تنسيق بمعنى الكلمة، ولكن هناك التقاء في تبادل المعلومات وأعتقد أن الكل متنبه لهذه الظاهرة وبالتالي يتطلع إلى أن يكون هناك تعاون في هذا المجال وهو قائم في مجال تبادل المعلومات والآراء والأفكار ولكن التنسيق بمعنى الكلمة نأمل أن يكون إن شاء الله).
وفيما يتعلق بمسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية خاصة بعد مرور 15 عاما على إنشائه؟
أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – (أن مجلس التعاون قطع شوطا جيدا وحقق بعض اهدافه)، موضحا جلالته أن (المجلس لم يحقق جميه أهدافه بعد لكننا نعمل على أن نحقق كل ما يُدخل الخير والأمن والاستقرار لإنماء دول مجلس التعاون الخليجي)..
وحول إمكانية توسيع المجلس ليشمل دولا أخرى؟
قال جلالته: (إن المجلس قام على الدول الست وبينها عوامل مشتركة فيها أمور كثيرة مشتركة في تكوينها وتطلعاتها وفي شؤونها الاجتماعية لكن هذا لا يعني أن لا نكون منفتحين وأن ننغلق على أنفسنا إذا جاء الوقت المناسب ليشمل المجلس دولا أخرى أو دولا موجودة بالجزيرة العربية).
ورداً على سؤال حول المشكلة الحدودية بين دول المجلس التعاون وهل أثرت في مسيرته؟
أكد صاحب جلالة السلطان المعظم – حفظه الله – (أن المشاكل الحدودية لا تؤثر على جوهر العمل في المجلس إنما هي شيء غير مريح ولا أعتقد أن دولة من دول المجلس تريد أن يتفكك هذه قناعتي لكن هي أمور غير مريحة وهذه الأمور غير المريحة يجب أن يكون لها حل جذري وننتهي منها إلى الأبد).
ورداً على سؤال حول دعوة جلالته إلى قيام جيش خليجي كبير يتكون من مائة ألف جندي والعوائق التي تعترض قيام هذا الجيش؟
قال جلالة السلطان المعظم: (طُلِبَ مني أن أقوم بدراسة عن هذا الوضع وكونا بالفعل فريق عمل من كل الدول ووضعنا تصورات وأنا أعتقد أنه من منظوري أنا لا توجد عوائق إنما أعتقد أن هناك اختلافا في كيفية التطبيق وأموراً تفصيلية أخرى أما كعائق حقيقي لعدم قيام هذا الجيش الموحد ليست هناك عوائق لأنني أنا وضعتُ النظرية والدراسة ولم أي عوائق).
ورداً على سؤال حول رؤية السلطان لحل مشكلة الجزر بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران؟
قال جلالة السلطان المعظم: (يجب أن يتفهم الطرفان بعضهما بعضاً إذا أمكن الحل بالطرق الودية بين الطرفين فهذا هو الحل الأفضل ولكن على المدى الطويل إذا لم يتسن للبلدين أن يصلا إلى حل لابد أن ينظرا إلى آلية أخرى لحل هذا النزاع .. وأنا بودي أن يكون الحل ضمن المنطقة أي أن تحل دول المنطقة مشاكلها فيما بينها هذا يكون أفضل للجميع دون شك).
ورداً على سؤال ما إذا كان التوجه نحو رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل يُضعف وحدة الموقف الخليجي ويحرج بعض أعضاء مجلس التعاون ويضعف المفاوضين السوري واللبناني؟
أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم: (أن هذا غير صحيح. وأنا ولا أعتقد هذا أبدا. نحن لانتخذ خطوةً إلا بعد أن ندرسها ونقدر المواقف من كل النواحب. الكل متفق على عملية السلام اللهم إلا إذا كانت هناك دزل بعينها لا تزال تعاني بعض المشاكل. وهذا شيء آخر، لكن الغالبية العظمى من الدول العربية مع عملية السلام)، وأوضح جلالته قائلا: ( أصل المشكلة كانت بين إسرائيل والأخوان الفلسطينيين ، والفلسطينيون حسموا أمرهم بزعامتهم. ونحن نقزل دائما إن الممثل الوحيد للفلسطينيين هو منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مشت في هذا الطريق والمسار وفتحت أبواب الحوار مع إسرائيل وتوصلت إلى ما توصلت إليه)..وأكد جلالته : (أن الخطوات التي اتخذتها السلطنة تعزز ولا تفرق. لكننا إلى الآن لم نتبادل التمثيل الدبلوماسي، وهذا مؤخر إلى مرحلة مقبلة ومرتبط بالنتائج النهائية من دون شك).
وحول ما إذا كانت إقامة علاقات دبلوماسية غير مرتبطة بالاتفاق السوري اللبناني بل تعتمد على مصالح عُمانية؟
قال جلالته: (لا .. هي مصالح مرتبطة بمصالح الكل عندما نراها في المنظور؛ لكن هي مرتبطة أصلا بمصالح الشعب الفلسطيني لأنه صاحب الشأن، وأي شيء فيه خير للشعب الفلسطيني ويراعوا صالحهم في الوقت نفسه، ومادام الأمر الآن أصبح مفتوحا لهم لحل المشكلة من خلال الحوار والمحادثات نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم إلى مافيه الخير).. وأكد جلالته قائلا: (ما يهمني هو مصلحة الشعب الفلسطيني لأنني أُساند هذا الشعب، فهذه قضية. وأنا ليست لي قضية مباشرة مع إسرائيل . لكن الأخوان الآخرين لديهم القضية الفلسطينية وقضايا تخصهم. فالقضية الفلسطينية يجب أن تُساند وقضيتهم هم يجب أن تُحل).
ورداً على سؤال حول محادثات جلالته مع الرئيس عرفات؟
أكد جلالة السلطان المعظم ( أنها كانت جيدة واطلعنا على ما تم حتى الآن، ووجدتُ عنده بعض الهواجس مثل الأمور الاقتصادية والإسرائيلي.. وهذا معروف أنه له أسباب أمنية ومشكلة جرت إلى مشكلة أخرى.. وجدته متفائلا وقد استعرضنا بعض الأمور وما تحقق، وما وصل إليه المسار والتطلعات إلى المحادثات مابعد الانتخابات الإسرائيلية للانتهاء من البنود المتبقية).
وحول ما تردد عن فتور في العلاقات العُمانية الإيرانية في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة للسلطنة؟
أكد جلالته: (أن العلاقات بين السلطنة وإيران لم يطرأ عليها أي تغيير).
وحول مشكلة العراق ورؤية السلطنة لإنهاء معاناة الشعب العراقي؟
أشار جلالة السلطان المعظم إلى أن (النفط مقابل الغذاء مسألة إنسانية وقد حثث السلطنة العراق على قبول هذه الخطوة)، وقال جلالته: (أنه قام شخصيا بدور في هذه المسألة قبل سنتين)، موضحا جلالته: (أن السلطنة قامت من خلال عضويتها في مجلس الأمن بما أملاه عليها الواجب، ودخلت في حوار طويل ، وعريض مع البريطانيين والأمريكيين فيما يتعلق بهذه المسألة).. وأعرب جلالته عن (اعتقاده أن هناك نوعا من التعديل صار فيما كان عليه القرار سابقا ليعطي العراق مجالا لزيادة كمية النفط المباعة).. وأشار جلالته إلى أنه ( نصح وزير المالية العراقي خلال اجتماع عُقِدَ في مسقط للصناديق المالية العربية أن يقبل العراق بهذا التعديل حتى لا يعاني الشعب العراقي هذه المعاناة غير المبررة مادام هناك مجال لإزالة المعاناة).
وحول رأي جلالته في مستقبل حكومة العراق؟
أكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم: (أن لكل دولة شؤونها الداخلية . والشعب العراقي هو الذي يقرر من يحكمه ومستقبله، والحكومة مادامت موجودة وشرعية في العراق).
وحول أنشطة إعلان دمشق؟
قال جلالته: (لا شك إن هناك نشاطا في الإطار المسموح به من كل الأطراف التي ما من شك إنها تتفق على أمور بعينها ولا رؤى معينة في آلية العمل فيما بينها والنشاط في هذا المجال أعتقد أنه قائم؛ أي ما اتفقوا عليه. لكن لا أعتقد أن هناك في الوقت الحاضر نشاطا آخر غير المتفق عليه).
وعن رؤية السلطنة فيما يسمى بالنظام الدولي الجديد وتصورها للنظام الإقليمي الخليجي والشرق الأوسط الأوسع؟
قال جلالة السلطان المعظم: (إنه عندما نتحدث نقول إن العالم أصبح قرية صغيرة وهو مرتبط بعضه ببعض.. الإقليمية المحدودة أصبحت غير وارده.. يجب دائما أن ننظر إلى ما حولنا وإذا ولم نتعامل بمنظور أوسع مما كنا نتعامل في الماضي سنبقى متوقفين في حلقة ضيقة. وهذا أعتقد لا يخدم أحدا).
أما فيما يتعلق بالوضع العربي؟
قال حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم: (للأسف هناك نوع من عدم الانسجام المطلوب بين الدول العربية ؛ لكن الجامعة العربية مازالت موجودة والعرب مجتمعون من وقت لآخر. لكن المرء يتمنى أن يكون العرب أكثر تضامنا مما هم عليه الآن).