إشادة وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي حول الحريات الدينية في العالم لعام 2010م بحكومة السلطنة في مجال الحريات الدينية، هي تأكيد على منصوص ورسم وختم على حقيقة الواقع الديني الحر الذي تنعم به بلادنا، وذلك لأن بلادنا كانت ولا تزال في هذا العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ترفع شعار التسامح الديني والتعايش مع الآخرين بمختلف معتقداتهم الدينية ومحاورة المخالف في المعتقد بالحكمة واللين والمنطق والعقل، وهذا يعد قمة التسامح الديني الذي دعا إليه رب العزة جل وعلا، وعمل على أساسه رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، في دعوته لمخالفيه. وهو أسلوب من الأساليب الراقية والحضارية في محاورة الآخرين والتواصل معهم وتوصيل الثقافة الإسلامية، فالمسلم من خلال التزامه بمبادئه وقيمه الدينية وعدم التنازل عنها وعدم إكراه الغير على اعتناقها هو أسلوب رحيم ومؤثر دعوي عميق من شأنه أن يثير اهتمام المخالفين في المعتقد بالثقافة الإسلامية والتأثر بها، وقد كان لهذا الأسلوب مفعول السحر في الماضي، من ذلك ما جاء في التاريخ الإسلامي أن جيش المسلمين دخل سمرقند دون سابق إنذار، واحتج أهلها وشكوا قائد الجيش إلى الخليفة آنذاك فأمر بخروج الجيش منها فورًا، فما كان من أهل سمرقند عندما رأوا هذه السماحة إلا أن يعلنوا إسلامهم طواعية، وقدوتهم في ذلك رسول الهداية عليه الصلاة والسلام الذي تسامح مع مشركي قريش حين فتح مكة وهم الذين طردوه منها، وغيرها الكثير من أمثال التسامح التي ضربها الأولون.
وسيرًا على هذا الإرث النبوي وإرث السلف الصالح خطت حكومة السلطنة بقيادة جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث عملت على إشاعة أجواء التسامح والتحاب وتوطيد العلاقات وإرساء أسس الألفة والمحبة والتواصل والتراحم ليس فقط بين العمانيين بعضهم بعضًا لكونهم إخوة في الدين والعقيدة يعبدون ربًّا واحدًا ويؤدون شعائر واحدة، وكونهم أبناء بلد واحد نشأوا وترعرعوا بين أحضانه، وإنما أيضًا بينهم وبين أتباع الديانات الأخرى الذين يقيمون على أرض هذا الوطن ويعملون فيه، فتجد المواطن المسلم يسكن ويأكل ويعمل مع غير المسلم، وغالبًا ما يكون غير المسلم هذا هو المسؤول والمدير والطبيب والمعلم والمهندس والتاجر والنجار والحداد، ولا ضير في ذلك، بل إن حق ممارسة طقوسه مكفول قانونًا، وبالتالي لم تشهد بلادنا وجود أي إساءة أو تمييز على أساس الانتماء الديني أو الاعتقاد أو الممارسة ولله الحمد.
ولم تقف جهود جلالة السلطان المعظم ـ أعزه الله ـ في ترسيخ قيم الحوار والتسامح والاعتدال بين الأديان والثقافات عند هذا الحد، بل توَّجها بإنشاء كرسي صاحب الجلالة للديانات الإبراهيمية والقيم المشتركة بجامعة كامبردج وتنظيم الدورات التدريبية في جامعة كامبردج في مجال الحوار بين أتباع الديانات وإنشاء مواقع إلكترونية وتدريب الأئمة واستقبال الوفود من مختلف أصحاب الديانات، حيث سيعمل هذا الكرسي على تغيير المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ورد الشبه الطاعنة في عقيدته وفقهه وتغيير الصورة السلبية التي حاول إلصاقها أعداء السلام والتعايش السلمي ضد أتباع الدين الإسلامي، كما سيعمل الكرسي على إضاءة الجوانب المشرقة والمضيئة في الإسلام واحترامه للديانات السماوية كونها ترجع إلى مصدر واحد.
ومما يجدر ذكره وتسجيله أن السلطنة ترفض مبدأ الانغلاق والتقوقع وسياسة الانكفاء على الذات، وإنما عملت على الحوار مع مختلف المذاهب والديانات واستضافت الكثير من الندوات، حيث كانت ندوات الفقه الإسلامي التي استضافتها رحاب جامعة السلطان قابوس وجامع السلطان قابوس الأكبر خير شاهد على ذلك، حيث حضور علماء المذاهب والشخصيات الإسلامية يرفدون الفقه الإسلامي بالفتاوى حول القضايا والمستجدات التي تفرزها الحياة المعاصرة والعلم الحديث.
إن التسامح مبدأ إسلامي أصيل وما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إليه لنبذ الفرقة والشحناء ولمِّ الشعث والوحدة، فهو مبدأ يشيع التعايش السلمي ويفتح صفحات الحوار بالحسنى والحكمة وتؤكد عليه الحكمة القائلة “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”.
إن ما تزخر به السلطنة من تسامح وتعايش ومحبة وتراحم وتواصل هو ثمرة من ثمرات النهضة المباركة التي أرسى دعائمها بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ولذلك فإننا نؤكد ما قلناه عاليًا إن إشادة وزارة الخارجية الأميركية ما هو إلا تأكيد على منصوص.