للراحل مع مصر مواقف كثيرة تؤكد توجه العروبى والداعم لمد جسور التعاون والمحبة والسلام مع الجميع، فكان دائماً على نهج السلام سائراً، وكانت لمصر مكانة خاصة فى قلبه وعقله، واستطاع على مدار سنوات حكمه أن يؤصل لهذه المكانة داخل كل عمانى، فباتت القاهرة فى قلوبهم جميعاً.
كان السلطان الراحل ينظر لمصر على أنها القدوة والدولة الكبرى التى لها ايادى بيضاء على كل العرب، لذلك رفض أن ينساق مع الدول العربية التى اتخذت قراراً فى نهاية السبعينات بمقاطعة القاهرة فى أعقاب التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل، بل زادت علاقته بمصر فى هذه الفترة، وسار على هذا النهج حتى رحيله، وكان للسلطان قابوس كلمات مؤثرة عن مصر، يحفظها العمانيون ويرددونها من ورائه، فهو يقول “لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى، وهى لم تتوان يوما فى التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير”.
قبل ستة أعوام كنت فى زيارة للسلطنة، وحينها دار حديث مع وزير عمانى لازال فى منصبه حتى الآن، ومسئول أخر فى الخارجية العمانية، وكان محور الحديث حينها عن ثورة 30 يونيو 2013، وموقف السلطانة منها، خاصة أن الظاهر وقتها أن السلطنة موقفها من الثورة حينها لم يكن واضحاً، وسط حراك إقليمي خليجى داعم للثورة سياسياً واقتصادياً، فكان رد الوزير العمانى حينها إن مسؤولى السلطنة لا يحبون الحديث أو الظهور حتى فى الإعلام ليتحدثوا عن مواقفهم الداعمة لدولة شقيقة، خاصة مصر، التى يحتفظ غالبية العمانيين بذكريات طيبة معها.
وقال الوزير العمانى أن السلطان قابوس طلب منهم أن يعملوا فى صمت وهدوء، وبمعزل عن صخب ماكينات الإعلام الدعائى المدوية التى تفسد فى أحيان كثيرة جهودا غير عادية، والأكثر من ذلك أن السلطان قال للمسئولين فى اعقاب 30 يونيو أن السلطنة تقف مع مصر قلباً وقالباً، وطلب منهم فتح قنوات اتصال مستمرة مع القاهرة والتأكيد على أن السلطنة مستعدة لأى شئ تطلبه مصر، شريطة الا يتم الإعلان عن ذلك فى وسائل الإعلام.
وحينما سألت الوزير العمانى، عن السبب فى هذه السياسة التى تنتهجها السلطنة تجاه مصر، قال ” السلطان قابوس قال لنا أن مصر دولة كبرى وليست فى انتظار الدعم من أحد، وأن مصر قدمت الكثير للعرب، ومن حقها علينا أن نقف معها، لكن لا يمكن أن نظهر متباهين بهذا الموقف، لأنه مهما فعلنا لن نوفى لمصر حقها، ولا يجوز لأى دولة التباهى فى مواجهة مصر، وكانت هذه سياستنا وستظل تجاه الشقيقة الكبرى مصر، وطلبنا من كل المسئولين المصريين أن يكون تعاملنا معهم بعيداً عن الإعلان والأعلام”.
بعد العودة إلى القاهرة التقيت صدفة مسئول مصرى كبير وسألته عما سمعته من الوزير العمانى فقال “هذا صحيح.. السلطنة بعد 30 يونيو قدمت لمصر الكثير لكنهم طلبوا أن يكون الامر بين الدولتين فقط، دون الإعلان عنه”.
تذكرت هذا الموقف وانا أتابع ردود افعال المصريين على وفاة السلطان قابوس، فما بناه السلطان فى حياته حصده بعد وفاته من حب وتقدير لشخصه ومكانته وللسلطنة.
وبانتقال المهمة من السلطان قابوس إلى السلطان هيثم بن طارق، هناك يقين أن السلطنة ستواصل السير على نهج الراحل المغفور له، وهو ما أكد عليه السلطان هيثم فى كلمته صباح اليوم، بأن عمان ستسير على نهج السلطان قابوس على صعيد السياسة الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولى فى مختلف المجالات.
هذا النهج الذى وضع قواعده السلطان الراحل، هو الذى حقق للسلطنة هذه الطفرة الاقتصادية والتنموية وجعلها واحة للاستقرار فى ظل أقليم هو الاكثر اضطرابا فى العالم.. رحم الله السلطان قابوس..
يوسف أيوب
https://www.soutalomma.com/Article/903738/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%88%D8%B3-%D9%88%D9%85%D8%B5%D8%B1