أصعب شيء يعيشه كثير من العرب اليوم هو فقدان الوطن الآمن المستقر . وأهم شيء يمتلكه العمانيون هو هذا الوطن المتحد المترابط، ولذا فأعظم إنجاز يمكن أن يحقق في الوطن العربي هو تحقيق الوحدة الوطنية، وأصعب قيمة يمكن أن ترسخ هي التسامح، وأقوى قرار يمكن أن يتخذ هو العفو، هذه الكلمات الثلاث: الوحدة والتسامح والعفو هي الفلسفة التي بنى عليها السلطان قابوس عمان التي تتحدد اليوم بمختلف أجزائها وتتعدد فئاتها السكانية ..محاولة بأقصى ما تستطيع أن تقول له: إن عمان لا يمكن أن تنقسم، وعمان لا يمكن أن تتعصب، وعمان لا يمكن أن تقسو، تقف عمان اليوم لتقول للعالم من حولها إن أعظم شيء ربحناه خلال هذه العقود هو الوطن الذي افتقده آباؤنا وأجدادنا، وخرجوا يبحثون عنه في كل مكان، فالوطن عزة وكرامة قبل أي شيء، وهو بعد ذلك عيش واستقرار، ومن يعتقد أنه من اليسير أن تكسب وطنا إذا خسرته، ومن اليسير أن تبني وطنا إذا تهدم فلينظر إلى الذين يقفون اليوم في كل مكان لا حلم لهم في اليقظة والمنام إلا استعادة الوطن المفقود الذي صار بعيدا حتى وإن كانوا يعيشون في قلبه.
عمان لا تسعى اليوم إلى إزالة التراب العالق بالكريستال، فقد فعل ذلك مولانا السلطان منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها حكمه لهذا الوطن، حيث أدرك منذ البداية ما لم يدركه غيره من الحكام العرب الذين عاصرهم طوال العقود الماضية، أنه لكي تبني وطنا لابد أن تغلق ثلاثة أبواب: باب الدم، وباب التعصب؛ وباب الكراهية، وأن تفتح مقابلها ثلاثة أبواب أخرى: هي باب التسامح، وباب الحوار، وباب التعاون، أغلق مولانا السلطان الأبواب الأولى وفتح الأبواب الأخرى في حين قام بعض الحكام في المنطقة بعكس ذلك، فكسبت عمان وطنا يمكن أن يطلق عليه بأنه جزيرة تتكسر على جهاتها الأربع كل دعوات الكراهية والتعصب والتحزب والتآمر، فأي نجاح أعظم من أن تكون في بلد تسمع الضجيج من حولك وبدلا من أن تسعى إلى أن تكون جزءا منه تعمل على تحويله إلى لحن هادئ جميل هذا ما قام به السلطان الذي رأى ما لم يراه غيره، وجعل من عمان كريستالة لا يمكن لأي تراب أن يعلق بها، لكي تظل مصدر إشعاع للمنطقة التي لا يمكن أن تزيل التراب العالق إلا إذا طبقت نهج الحكيم ..من غلق الأبواب الأولى وفتح للأبواب الثانية.
إن هذا الفرح الذي يخترق حدود الجغرافيا ابتهاجا برجوع السلطان المعظم، هو ابتهاج بوجود صوت الحكمة في المنطقة التي تسكنها الفوضى، ويجب أن ينصت الجميع لهذا الصوت الآن حتى لا تتفاقم الأوضاع فالرجل العجوز صاحب محل الكريستال في رواية الخميائي كان لديه حلم مؤجل ظل يؤجل فيه حتى علق عليه التراب كما علق بكريستالاته، فلا يجب أن يترك الحلم مؤجلا وهناك نموذج يمكن أن يحتذى به من أجل بناء جديد.
د. سيف بن ناصر المعمري – أثير
مارس 26, 2015, 08:56 م