هكذا فجأة توقف الزمن صباح الأمس في سلطنة عمان توقفت الأحاديث والأعمال اليومية ومشاغبات وسائل التواصل الاجتماعي.. توقف الزمن عند اللحظة المنتظرة. فتراكض كل واحد منا لأقرب تلفاز وأقرب إذاعة أو هاتف وأقرب وسيلة إعلامية تبث صورة جلالته وصوته القريب من قلوب العالم فما بالك بقلوب أبنائه، تماما عند تلك اللحظة انحبست الأنفاس. صمت مطبق أحاط عمان كلها من مسندمها إلى ظفارها، فقط لتصغي عمان كلها إليه، ليتأكد الشعب الذي تقاذفته الإشاعات والأخبار غير الموثوقة لزمن ليس باليسير- ليتأكد بأم عينه أن قائده ورغم المسافة البعيدة، لا يزال إلى جوارنا يمنحنا باقة من الأمل بغد أجمل.
وقف الشعب بأكمله قابضا دمعه أو ساكبا دمعه متمسكا بحقيقة تسعد قلبه.. أن القائد لا يزال بخير، يهنئننا بعيدنا، من دون أن يعرف ربما أن رؤيته بصحة وعافية كانت العيد لكل عمان.
ربما لن يصدق أحد في العالم أو الوطن العربي الفرح الخرافي الذي سرى في عروق عمان كما يسري الماء في جسد الظمآن. لن يصدق أحد أن مجرد خروج جلالته بإطلالته البهية على شاشة التلفاز يمكن أن تدفع الصغار للسجود شكرا في المدارس أو تدفع الكبار في السن لإطلاق عيارات النار كمن يعلن عن فرح مؤجل. ربما لن يصدق أحد الدموع التي انهمرت يوم الأمس غزيرة وساخنة يتقاذفها الفرح لرؤيته والحزن لأنه لن يأتي ليقضي العيد الوطني بيننا.
وكيف للعالم أن يصدق هذا والعالم أصلا والوطن العربي على وجه الخصوص يكابد سيناريوهات فنتازية مرعبة. يكابد الفتن والتمزق فيما تجتمع مذاهب عمان وطوائفها وتعددها الثقافي على شكر الله على سلامة سلطانها. كيف للعالم أن يصدق.. أن شعبا ينهار باكيا ويخر ساجدا لأجل كلمة ألقاها قائده من مسافة بعيدة، فيما شعوب أخرى كثيرة تخرج إلى الشوارع والمسالخ الملتهبة لتسقط حكامها.. نعم إن عمان تسجل اختلافها وامتيازها الخاص الذي فطن له كثر في الآونة الأخيرة، فخرجت عمان المنسية ربما بسبب موقعها الجغرافي أو تنائيها عن الضجيج الإعلامي، خرجت من أسوار قلاعها المغلقة لتصبح محط أسئلة العالم ..محط دهشتهم ومفاجأتهم.
كنت أتفاجأ من جدتي التي لا تكف عن شكر الله ومن ثم شكر جلالته بعد تناول طعامها وشرابها وصلاتها ونومها.تشكره سرا وعلانية وتقول لي (إنت غضة ما تحيدي شيء عن حياتنا..حد عطانا من الناس وحد نهانا ..لكنه هو جلالته.. الله يبقيه عزنا)..رحمة الله عليها جدتي ..ترن كلماتها الآن بقوة في أذني .. جدتي التي عاشت انعطافة التغيير الأولى معه ومعها جيل كامل من المؤمنين به كقائد لا يتكرر . ونحن اليوم جيل الانفتاحات الأولى. جيل التغيير والثورات والتكنولوجيا، نتعلم درسنا الأول عن هذا القائد الذي يملك فطنة ورجاحة فكر دوخت العالم ..نتعلم يوميا من هذا الهذيان العربي المحبط والمدمر، من هذا النزف الدموي الذي لم يفتر منذ عام 2011 ، نتعلم أن هذا الرجل في العقود الأربعة صنع معجزات تاريخية وسياسية سيحفظها العالم بأسره ، لا تزال لغزا محيرا للكثيرين.
فجيلنا الصاخب بالحياة، الممتلئ بالطموحات، الباحث عن الفرص الأبهى، المنطلق بالأحلام. جيلينا المختلف المتفق، الراغب في التغيير والمتكئ على الراهن، جيلنا بكل تشظيه والتباساته، الغاطس في الخصوصية العمانية والذاهب نحو العولمة بدون تردد، جيلنا الذي يعيش الرغد والآخر المطحون بلقمة العيش.. رجالنا..نساؤنا وأطفالنا كلهم متأكدون تماما ..أن هذا القائد رجل قلما يتكرر في تاريخ العالم وسيبقى علامة فارقة على مدى الأزمان.