الحمدلله على نعمة عُمان، والحمدلله أنني أقطن بين شعبٍ عظيمٍ واعٍ ومُحبٍّ لتراب هذا الوطن الشامخ بشعبه، ومع سكون الليل شدني صفير الرياح، وهي تدوي الأبواب والنوافذ المغلقة، وكأنها رسولٌ يحاول أن يوقظني من نوم عميق، قرير العين لا أحاتي من قلاقل ومتاهات الغد كيف يكون؛ لأننا تعودنا على راحة البال التي هدانا الله أعظم نعمه، وهي نعمة الأمن والأمان، والتي سعى لها القائد الباني المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله تعالى.
رغم ضجيج الأبواب والنوافذ المحيطة لم أغادر مضجعي إلا بصياح المنبه لصلاة الفجر، وقبل خروجي من باب منزلي والذهاب للمسجد، شدني بكاء أمي، لحظتها ارتعش قلبي خوفًا عليها، والأفكار المختلطة بالتعجب تشكل ملامحي، وأنا أحدّق بوجه أمي بكيت من بكائها قبل لا أعرف السبب، ولا أدري ماذا يخبي لي هذا اليوم المبهم بكافة التفاصيل، وأهمها صفير الرياح ونواح أمي المفعم بالحزن والفقد؟ حينها ذهب حبل أفكاري لموطن جدتي المريضة، التي لا تفارق الفراش مطلقًا إلا لزيارة الطبيب، وبدأ مسلسل التخمين يراودني والمشاهد تتشكل أمامي ومنها أن جدتي في ذمة لله، لحظتها قمت بتقبيل رأس أمي وحضنتها بحرارة وقالت والبكاء يخنقها: (أبوكم قابوس مات) مات مات مات مات…الخ، لحظتها تحرك بداخلي جيش المشاعر الحزينة، وعشت الانكسار المغلَّف بالصدمة، شرد الذهن ورسمت بشاشة خيالي (صورته)، وتدريجيًّا يضعف البدن، وتذرف الأعين دموع الفقد والفراق، ومع مرور الوقت أستمد القوة من قول الله سبحانه وتعالى: (كل نفس ذائقة الموت)، وأكملت مشواري للمسجد، وبعد الفراغ من الصلاة، قام شريط الذكريات بالدوران أتذكر قصص أجدادنا كيف كانت عمان وكيف أصبحت؟ وبالتحديد ما بعد سنة سبعين بعدما كان آباؤنا حسب وصفهم يعيشون في غياهب الظلام والفقر والخوف والاغتراب، وبعد تولي القائد الراحل زمام الحكم في البلاد انقشع الظلام وعاد المهاجر إلى وطنه، وتحول الخوف إلى طمأنينة والفقر إلى قناعة ويسر، حيث حول عُمان إلى بلدٍ مُتعلمٍ، شيّد بها المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، وشيّد الجوامع ومدارس القرآن، وقام بتأسيس الكثير من المرافق التي تهم الموطن كالمستشفيات .. وغيرها.
ومن جانب آخر من فينا لا يتذكر نبرة صوته بخطاباته الحكيمة والهادفة ومنها عندما قالوإذا جاء اليوم ـ لا سمح الله ـ الذي يطلب منا أن نهب للدفاع عن بلدنا ومبادئنا التي بها نعيش فليعلم أولئك الذين قد يفكرون أو يحاولون الاعتداء علينا أننا سنواجههم بكل عزم وبسالة وكأمة واحدة مدججة بالسلاح) .. وغيرها من الخطابات التي تعلمنا منها الكثير ونحن صغار نستمع فقط ونستمتع بملامحه السمحة، وبعدما كبرنا أصبحنا نعي ما يقول وما يهدف لمستقبلٍ زاهرٍ لعُمان وللمواطن، واليوم وبعد ما ترجل الفارس ترك لنا عمان أمانة بعنق كل عماني مُحبٍّ مُخلصٍ لهذا البلد الطيب.
وطوال الأعوام المنصرمة هناك الكثير من يرسم سيناريو .. وماذا بعد قابوس؟ والكثير توقع مسيئًا الظن لعدم وجود ولي للعهد في عهد الراحل، ولكن قدمت العائلة الحاكمة درسًا لكل متربص بهذا البلد وكان الانتقال سلسًا للسلطة عكس المتوقع، وندعو الله أن يحفظ لنا عُمان وقائدها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد.
خالد بن خليفة السيابي
من أسرة تحرير (الوطن)