لا زلتُ أتذكر أول يوم وطأت فيه قدامي أرض عمان الطيبة، كان ذلك قبل نحو 7 أعوام، جئتُ إلى السلطنة فاكتشفت بلدا عبقريا في جميع تفاصيله، دولة متطورة تأخذ بأسباب الرخاء والنماء، عندئذ أخذتُ أبحث عن السر في ذلك، فوجدت أن هذه الدولة المتميزة يحكمها سلطان عادل حكيم..
وفي صباح يوم السبت استيقظت على النبأ الحزين بوفاة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه.. تلقيتُ الصدمة وأنا أحبس دموعي، لكني انفجرت في البكاء عندما شاهدتُ في التلفاز مشهد الجنازة المهيب.. رحل السلطان قابوس حيكم العرب وأحد أهم الحكام في تاريخ الإنسانية الحديثة..
رحيل السلطان قابوس لم يكن فقط مؤلما لكل مواطن ومواطنة في عمان، بل مؤلما لجموع العرب ومحبي السلام في كل أنحاء العالم، ولا أدل على ذلك من عبارات الرثاء والتأبين التي توالت عقب وفاته رحمه الله.
لقد كان قائدا ملهما، وكل من تتبع مسيرة حكمه منذ خمسين عاما وحتى وفاته، يدرك أنه نجح في حكم الدولة العمانية وقادها إلى مصاف الدول المتقدمة.
كان شغل السلطان قابوس الشاغل تطبيق مبدأ “عمان صديقة الجميع وليست عدوة لأحد” في سياسته الخارجية، إما داخليا فقد كان ضحى بعمره لأجل أن تتبوأ عمان مكانتها التي تستحقها بين الأمم والشعوب، من خلال إشراك أبناء عمان المخلصين في التخطيط والتنفيذ، فكانت السواعد التي بنت وأسست لصرح النهضة الشامخ.
السلطان العادل نجح خلال مسيرة حكمه أيضا أن يؤسس لدولة العدالة والمساواة، فرغم مصريتي لم أشعر يوما بأني غريبة عن هذا البلد، بل دائما ما أشعر وأنني ابنة هذه الأرض الطيبة، لم أجد من العمانيين سوى كل الخير، فالعمانيون مثل الأب الحنون قابوس لا يعرفون سوى كرم الضيافة وحسن المعاملة مع الآخر..
كان تفاني السلطان قابوس- رحمه الله- مصدر إلهام للجميع ووسطتيه نهج يحتذى به، وحكمته تدرس في كليات العلوم السياسية.
لا عجب إذن أنه فور إعلان خبر الوفاة أن يحزن القاصي والداني وتنهمر الدموع من عيون كل من رأى أو شاهد أو حتى سمع عما فعله السلطان لبلده وشعبه. حتى في لحظاته الأخيرة جاءت وصيته لاستكمال تلك الملحمة.. فقد طلب جنازة بسيطة من أجل أن لا يرهق أبنائه.
يكفي الشعب العماني- والعرب جميعا- فخرا بأن السلطان قابوس لم يزج بعمان في حروب أو فتن أو معارك، ومن قبل كانت عمان قابوس الدولة التي لم تقاطع مصر بعدما أبرمت معاهدة السلام مع إسرائيل.
عمان هي الدولة الوحيدة- ولله الحمد- التي تخلو من الإرهاب باعتراف العالم والأمم المتحدة.
عبر الكثير من خارج عمان عن دهشتهم من الانتقال السلس والسريع للسلطة في عمان، لكن من يعيش داخل عمان وجد الأمر طبيعيا، فحكمة السلطان قابوس باقية حتى بعد وفاته، وستتوارثها الأجيال.
جلالة السلطان الراحل طيب الله ثراك.. سيخلد التاريخ اسمك بحروف من نور، فقد كرست حياتك لبناء عمان الحديثة بسواعد أبنائها، وحتى بعد موتك أوصيت بمن يكمل مسيرتك ويحمل الأمانة، فجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور أهل لها بإذن الله تعالى، وسيسير على النهج القابوسي القويم، وكلي أمل بأن القادم أفضل وأكثر رخاءً ونماءً لعمان وشعبها..
إخوتي وأخواتي شعب عمان الحبيب، عظم الله أجركم فقد فقدت الأمة العربية أعز الرجال..
لن ننساك يا أبي قابوس أبدا ما حيينا، وسنظل نروي لأبنائنا وكل من نقابلهم عنك وعن حكمتك.
طبت حيا وميتا..
رنا عبدالحكيم
https://alroya.om/post/254215/%D8%B1%D8%AD%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1