بحفظ الله ورعايته وتوفيقه اختتم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ زيارته الرسمية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي جاءت لترسخ الفهم لتاريخ وعمق وفرادة الروابط والعلاقات العمانية ـ الإيرانية، وعرى الصداقة ووشائج القربى التي تجمع قيادتي البلدين الصديقين وشعبيهما، وهو ما شكل بدوره مفهومًا جديدًا وأصيلًا لمعنى الصداقة في منظومة إقليمية استراتيجية نعيش في قلب تفاعلاتها.
فاللقاء الذي عقده حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مع سماحة علي خامنئي قائد الثورة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك المباحثات التي عقدها جلالته مع فخامة الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمس الأول في طهران، أكدت على الروابط التاريخية المتينة التي تؤطر العلاقات العمانية ـ الإيرانية، القائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتحقيق المصالح المشتركة. وترجمت سمات هذه العلاقات حزمة القضايا الإقليمية والدولية التي تناولتها مباحثات قيادتي البلدين الصديقين.
وما من شك أن هذه المباحثات المهمة جاءت لتستجيب لضرورة استراتيجية ملحة في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية جمة تستدعي وضعها على بساط البحث وبشكل مستفيض، وتتطلب نوعًا من تبادل وجهات النظر والحوار الإيجابي البناء، وصولًا إلى التكامل والانسجام بين قيادات المنطقة وشعوبها والتعاطي معها بروح المسؤولية، ذلك أن النجاح في التنسيق والتشاور ووضع الآليات المناسبة لمواجهة هذه التحديات وحلحلتها، ومعالجة التجاذبات الدولية والإقليمية في المنطقة ستنعكس نتائجه بشكل إيجابي على المنطقة برمتها، ولن تكون مقصورة على بلد بعينه، وفي هذا السياق أتت زيارة جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولقاءاته بالقادة الإيرانيين ومباحثاته معهم.
ولعل التغيرات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي يشهدها العالم اليوم بشكل متسارع، وما تركته الأزمة المالية العالمية من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي وخاصة اقتصادات الدول الكبرى، وفي ضوء التهافت الذي يشهده العالم نحو تكوين كيانات وتحالفات اقتصادية، كان طاقة دفع هامة للجانب الاقتصادي ليمثل أبرز المحاور التي تصدرت المحادثات الرسمية بين قيادتي البلدين، باعتبار الاقتصاد الركيزة الأساسية للتنمية في أي بلد والداعم الأول للاستقرار المعيشي والاجتماعي والسياسي.
وبديهي القول إن من حق السلطنة وإيران أن تسيرا جنبًا إلى جنب على طريق التكامل الاقتصادي والتبادل التجاري، وفي ذلك مرتكزات عدة تدفع بهذا الاتجاه وتدعمه وتقويه، ومن بينها ما يجمع البلدين من أرضية جغرافية وتاريخية واسعة وتقاسمهما الحدود، وتواصل حضاري وثقافي يضرب بجذوره في أحشاء التاريخ، هذا فضلًا عن القواسم المشتركة المتمثلة في الدين، ما يحتم ضرورة التواصل والتلاقي على جميع المستويات والاستفادة من خبرات وإمكانات بعضهما بعضًا.
ومن هذا المنطق كانت النتائج المثمرة للقاءات الوزراء المرافقين لجلالته ـ أعزه الله ـ في زيارته إلى إيران مع نظرائهم الإيرانيين، وما جرى خلالها من مباحثات اقتصادية واستثمارية كمسألة الطاقة التي تكللت بالتوقيع على مذكرة التفاهم في مجال تصدير الغاز الإيراني إلى السلطنة وسد احتياجاتها منه، بما حملته من رسائل قوية وإشارات هامة على مراحل جديدة من التكامل الاقتصادي وتبادل المنافع، انطلاقًا من حرص قيادتي البلدين الصديقين على الاستفادة المتبادلة وتحقيق كل ما يخدم الجارين الصديقين ومصلحتهما الوطنية ويخدم شعبيهما، ويحقق الاستقرار في المنطقة.
لقد أثبت التحركات السياسية والاقتصادية العمانية في المحيط الإقليمي والعربي والدولي دائمًا أنها تصب في مصلحة الإنسان العماني، وتسخر دبلوماسيتها العتيدة ورصيد حكمتها وثقة العالم المتزايدة فيها لخدمة نهضة هذا الوطن ورخائه واستقراره، فحري بنا أن نقولها صادقة من القلوب قبل أن تلهج بها الألسن “كتب الله الأمان والسلام للمنطقة والعالم أجمع وكلل المساعي الحميدة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ من أجل خير شعبه والمنطقة والعالم، بكل التوفيق والنجاح، إنه سميع مجيب”.