يومًا بعد يوم تؤكد السياسة الخارجية للسلطنة فاعليتها ودورها على المسرح الدولي، وتثبت مصداقية ما قامت عليه من أسس وركائز أرستها نهضة عُمان الحديثة منذ بزوغ فجرها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي اختار منهجها القويم والسليم، منهج يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واعتماد الحوار السلمي والمساعي الحميدة أسلوبًا لحل المشكلات واحترام المصالح وتبادل المنافع المشتركة، وحسن الجوار، ويؤكد على معاني السلام والطمأنينة والثقة في الحاضر والمستقبل، والجنوح نحو التناغم مع متغيرات العصر وتطوراته ومفاهيمه القائمة، والرغبة في صناعة السلام وإرساء الاستقرار في المنطقة والعالم عبر الحوار والكلمة الطيبة والخطوة الواثقة نحو الأهداف الإنسانية الكبرى التي يجب أن تسعى إلى تحقيقها كافة المؤسسات الدولية كي تعيش البشرية في أمن وأمان وتفاهم ضمن منظومة عيش مشترك تحترم حقوق كافة الأطراف، وتحترم احتياجاتها ومصالحها.
ووفق هذا التقدير، تأتي الزيارة التاريخية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كأول قائد عربي يزور طهران بعد انتخاب فخامة الرئيس حسن روحاني رئيسًا، لتؤكد عمق العلاقات العمانية ـ الإيرانية وتميزها، وتبرهن من خلال أجواء الود والتفاهم والتنسيق والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، على عمق هذه العلاقات ومتانتها وتطورها المستمر في جميع النواحي وعلى كل المستويات، وتعطي بُعْدًا فريدًا ومثالاً رائعًا في علاقات الدول بعضها بعضًا بشكل عام، وعلاقات الدول المتجاورة بشكل خاص، وذلك لما ترتكز عليه العلاقات العمانية ـ الإيرانية من ثوابت ومبادئ قويمة، سواء من حيث تقاسم الجغرافيا والحدود أو من حيث التواصل الثقافي والحضاري والتاريخي الضارب بجذوره منذ فجر التاريخ، وتنامي المصالح الاقتصادية المشتركة.
إن الزيارة التاريخية لجلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى إيران تأتي في توقيتها المناسب لتجيب عن أسئلة بحجم ضخامة التحديات السياسية والأمنية التي تواجه المنطقة التي تقع في قلب الاهتمام الاستراتيجي الدولي لتحكمها في شرايين كثيرة لموارد الطاقة وممرات بحرية استراتيجية، علاوة على المتغيرات السياسية التي فرضت نفسها على المنطقة، سواء في ظل ما يعرف بـ”الربيع العربي” وانعكاساته على الأوضاع الداخلية لدول المنطقة خاصة وللمنطقة والعالم عامة، أو في ظل السياسة الصهيونية ومحاولة الاستفراد بالشعب الفلسطيني وبذر بذور الفتن وتفجير التطاحن الطائفي بين شعوب المنطقة.
بديهي أن كافة القضايا التي تشغل بال القيادتين، سواء تلك التي تتعلق بمصالح البلدين وعلاقاتهما وخيري شعبيهما أو تلك التي تتعلق بالشأن العربي والإقليمي والدولي، ستكون على موائد النقاش المستفيض والعقلاني يدفع إليه الهاجس المشترك والهدف المشترك نحو إعطاء القضايا حلولها المنطقية والإيجابية، وهو ما كان قاسمًا مشتركًا تاريخيًّا للقمم العمانية ـ الإيرانية منذ عقود.