بوقار القائد الحكيم، وحنان الأب الرحيم، وبحرص الباني الماهر المكين، جاءت التهنئة العطرة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى أبناء شعبه الوفي بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين للنهضة المباركة، في تأكيد على مراسم تتفرد تقاليدها بصورة سنوية، تأخذ طابعها الخاص بها، حيث تتلاقى العقول والقلوب تحت مظلة هذه المناسبة الغالية والخالدة في قلب كل عماني، تعبق خلالها الكلمات بما تحمله من معانٍ قد لا يدركها إلا من حنَّكته التجارب ووقف على أسباب النجاح في قيام الدول. وما خطته يد جلالته ـ أيده الله ـ يوم أمس من نبت عقله، ولب وجدانه، وعميق انتمائه وإخلاص ووفائه وامتنانه لله العلي القدير ولأبناء شعبه الوفي، وألقاه على مسامع عُمان وكراسي مجدها، لتنحني الهامات لله شكرًا وثناء على ما قيضه من مكارم أسبغها في قامة قائد فذ حكيم رافقته ـ كظله ـ عُمان ونهضتها وعصريتها وتطورها ورقيها، وفي شعب لم يتخلَّ عنه، قاسمه الهدف فكانت الصورة أصدق برهان برؤية دولة عمانية عصرية راسخة الأركان تشق طريقها ومسيرتها نحو مستقبل مشرق واعد بالتطور والعطاء والنماء.
إن اللسان ليتلعثم في رص مفرداته، وتنحني الكلمات احترامًا أمام قامة جلالته ـ أبقاه الله ـ بتعلقه بعُمان تعلقًا يسري مسرى دمه، في صحته، في مرضه، في نومه وراحته، في عمله، في غدوه ورواحه، في حله وترحاله، ومن شدة حرصه يبعث بكلمات التأكيد على أهمية المحافظة على مسيرة الدولة العصرية العمانية وعلى مكتسباتها، عاطفًا هذا الحرص بالثناء الجم والشكر الجزيل والسرور العميق على أبناء شعبه الوفي الذين كانوا دومًا رهن إشارته وعند حسن ظنه وثقته، وكانوا معاول الخير والبناء، بترجمة رؤاه السديدة وتوجيهاته الحكيمة، كيف لا وأمام صمود القائد والشعب وتضحياتهم تحطمت على صخرة الإرادة الصعاب، ومن رحم التحديات والصعاب وُلد العمل بروح الفريق الواحد، وكان من أبرز معالم النجاح على الطريق، طريق التنمية والنهوض بالوطن وتأكيد خطى النهضة المباركة المحمولة على عزائم الرجال وأكف الواثقين المنتمين إلى مبدأ المشاركة في إعلاء راية الصالح العام. ولذلك هناك فرق كبير بين نهضة تتبدى معالمها عبر سطور منمقة على الورق أو لقطات معدة سلفًا في وسيلة إعلام مرئية يجري تركيبها عند الضرورة وقت زيارة الضيوف، وبين نهضة تبني بلدًا يستطيع الصمود أمام نوازل الطبيعة الاستثنائية أو تقلبات الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة. الصمود في وجه الظروف هو مقياس شديد الأهمية ومعيار لا يخطئ مؤشره، ونهضة عُمان الحديثة قدمت شهادة استحقاقها للبقاء، بفضل تلك السمات القيادية والخصال القويمة التي ركَّبها الخالق سبحانه وتعالى في شخص جلالته، وبفضل تلك الصفات والقسمات التي تميز بها العمانيون على مر عصورهم من تلاحم وتعاون وتكاتف وتراحم وتآلف وتسامح، وانتماء وإخلاص وولاء ووفاء، وتقبل للعمل أيًّا حجمه ومقداره، فهذا التكامل والانسجام بين القيادة والشعب استطاع أن يجمع مفردات الماضي والحاضر وينسج قلعة صمود تحتضن المتحصنين فيها وتوفر لهم حاجاتهم الأساسية وتؤويهم في ساعات الشدة. وإذا كانت الإرادة الإلهية شاءت أن تبدأ عُمان احتفالاتها بمناسبة العيد الوطني الرابع والأربعين وراعي نهضتها وغارس شجرتها ومتعهدها بالري من عصارة جهده وحبات عرقه؛ حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خارج الوطن، فإن أرض عُمان الطاهرة تتنفس بأنفاسه، وتزكو بروائح متابعته، وتسير الحياة بتوجيهاته، فشخص جلالته حاضر في قلب ووجدان كل عماني، وفي كل ذرة من ذرات تراب هذا الوطن، فالعبرة ليست بالأجساد.
ولا نملك إلا أن نقول بكل حب وصدق مبين: سلمت يداك يا جلالة السلطان المعظم، وسلم فكرك، وأضاء دربك ونصرك الله نصرًا عزيزًا مؤزرًا في معركة البناء التي لا تهدأ، وغمرك بأنعمه وآلائه، ومَنَّ عليك بالصحة والعافية والعمر المديد، وأسبل عليك ألبسة الخير والسؤدد والتوفيق والسداد، وأعادك إلى أرض الوطن سالمًا معافى، وعُماننا الحبيبة رافلة في خيرك، ومعتزة بعزك، قدر ما حققت لنا من أمجاد ونعاهد الله ونعاهدك أن نظل دومًا بفكرك مهتدين وعلى دربك سائرين.