العزيمة والإصرار والإيمان الراسخ أسس بناء الدول, ومن الصعب على المرء تجاوز التجربة العمانية الحديثة عندما يكون الحديث عما تفعله إرادة ولي الامر الآخذ على عاتقه رفعة بلاده, ليس في العمران المكاني فقط, بل قبلها في العمران الإنساني.
إن هذه التجربة التي قادها منذ اربعة عقود السلطان قابوس بن سعيد جعلت عمان حجر زاوية ليس في الحركة الخليجية, إنما في العالم العربي ككل, كمنارة ترشد إلى بر الأمان من يطمح الى تحديث هادئ ومدروس للدولة.
منذ زمن نراقب عن كثب حركة النهضة العمانية, ونشاهد بين الحين والآخر مثالاً جديدا على صواب التوجهات التنموية في المسيرة الطويلة التي بدأت السلطنة جني الكثير من ثمارها منذ سنوات, وعبر خطوات مدروسة ومتدرجة تبني الحاضر وتمهد للمستقبل.
عمان التي تحولت إلى واحة أمن وأمان في منطقة تتقلب على جمر الأحداث التي لا تنتهي, صنعت ذلك بفضل الحاكم الذي حين يعدل يتجلى ذلك في حركته اليومية, وها نحن نشاهد السلطان قابوس يجول في المدن العمانية من دون مواكب مدججة بالسلاح, يتعاطى مع شعبه بشفافية وحنكة الربان الذي يبعد سفينته عن الأنواء بصلابة, فتكون جولاته مبعث راحة واطمئنان في كل ربوع بلاده, والتعبير الحقيقي عن أن العدل أساس الملك.
حين وعد قابوس قبل عقود عدة بنقلة حضارية هائلة لعمان, لم يكن وقتذاك يطلق شعارا فقط, بل كان يعلن بدء اكبر ورش التحديث في المنطقة, في ظل امكانيات مدروسة بدقة, فواجه الصعاب التي اعترضته وذللها ليمهد الطريق امام الاجيال القادمة ولذلك جعل الانسان هدفه في إعادة التأهيل, ليكون الشعب مواكبا لمعطيات العصر, فلا يكون العمران خاويا من الروح, وهكذا باتت السلطنة بعد كل هذه السنوات المثال في التلازم الحقيقي بين بناء البشر وبناء الحجر.
حين نشاهد السلطان قابوس يبادل شعبه الحب الكبير بالمحبة الأكبر, نعرف تماما ان مستقبل عمان بألف خير, وانها في ظل قيادته تسير في طريق التطور بكل ثقة واقتدار, لأن من صنع هذه الدولة اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا قادر على ضمان مستقبل زاهر لها.
إن العلاقات الوطيدة مع المحيط تعني مزيدا من الاستقرار والنهوض في الداخل, وهذا ما أكد عليه السلطان في كلمته في حفل افتتاح الدورة الجديدة لمجلس عمان, اذ جعل التعاون مع سائر الدول والشعوب من المبادئ الراسخة في السياسة العمانية, وعماد ذلك الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل بشؤون الغير وعدم قبول تدخل الغير بالشؤون الداخلية العمانية, وكان لهذا النهج عظيم الفائدة لعمان التي أدت دورا مميزا في المحافل الدولية والعربية والإقليمية في التقريب بين وجهات النظر, واستثمار ذلك في تبادل الخبرات من أجل ترسيخ التجربة المميزة للبناء الحضاري الذي نشاهده في هذه المرحلة.
هكذا هم الحكام الذين يعملون من أجل مستقبل أوطانهم ولا شك أن التاريخ سيشهد بالتقدير والعرفان على إنجازات السلطان قابوس الذي عدل فأمن.