هناك دعابة في إحدى الدول العربية تقول إن قلب “الريس” اعتل وأصاب جسده السقم، فوقف يخطب بالجماهير فهتفوا بحماس متقّد: “بالروح.. بالدم.. نفديك يا ريس” حتى اختنق المكان بالضجيج.. فما كان من أحد وعاظ السلاطين إلا أن اقتنص الفرصة فانبرى يقترح: “غمرتمونا بولائكم وسنلقي الآن بريشة وسنرى من هو المحظوظ الذي ستقع عليه لينال شرف نقل قلبه للريس”، فتوقف صراخ الجماهير وأخذ كل منهم “ينفخ” في الفضاء لإبعاد الريشة عن نفسه!
هي طرفة بالطبع قيلت للتعبير عن زيف حب الجماهير، ونفاقهم خوفاً وطمعاً أحياناً.. وأكاد أقول إنها تنسحب على جلّ الدول العربية التي لم يختر الشعب فيها حاكمهم ولكن السلطنة كعادتها.. استثناء.
*****
في المدرسة، تكون الكتب موشومة بلا اختيار منك بصور القيادة السياسية في دولنا بالمجمل.. تتحرر صفحات الكتب من الصور الإجبارية في المرحلة الجامعية. في سنوات دراستي بالكويت لحظت أن الكراسات تُزخرف إما بصور مناضلين “كجيفارا ونلسون مانديلا” وإما بصور مشاهير الرياضة والفن أو بشعارات النوادي والماركات.. وكم كانت دهشتي كبيرة وأنا أرى زملاءنا العمانيين يضعون صور السلطان قابوس في كراساتهم – طواعية – من شدة تعلقهم به، وهو ما دفعني لسؤالهم مرة تلو المرة “لماذا تحبونه هكذا؟” وكان للإجابة على سمعي دوما وقع القيثارة!
****
في قاموسي: ما يُقال في الإعلام، في التجمعات الرسمية والشعبية العلنية؛ لم يكن يوما مقياسا لما تكنه الشعوب لحكامها وأنظمتها.. لكني – وخلال سنوات معرفتي الطويلة واللصيقة بالشعب العماني – وجدت أن ما يقال في العلن مطابق لما يقال في الجلسات المغلقة، ولمست العواطف الصادقة للسلطان، ومن كل الأطياف والأعراق، ولم أكن وحدي من يغبطهم على هذه النعمة بل شاركني كثيرون بها من دول عديدة.. فهذه العلاقة الأبوية فريدة من نوعها، نادرة في زمننا هذا، حيث تُلقي الشعوب عادة ذنب كل إخفاقاتها على حكامها، الذين يتحملون مسؤولية عظمى ولا شك، ولكنهم ليسوا شماعة كل إثم بالتأكيد.
لهذا السبب، ولهذا السبب بالذات، وجبت محبة السلطان وتقديره على الجميع.. فمن يُرضي شعبه وينتزع محبته، يستحق الاحترام والتبجيل من الجميع ولا أقل.
******
خلال غيابه الأخير، كنت أسمع دعوات صادقة له كلما عبر ذكره.. وعندما زفت البيانات خبر عودته، تراقصت الرسائل فرحاً في جوالي، وغيّر أغلب من أتواصل معهم صورة “الأيكون” الخاصة بهم لصورته ابتهاجاً بعودته.. وخرجت المسيرات وتبادل الناس التهاني وكأنهم في عيد.
هو حتما شيء لا يصدق.. لا يمكن تفسيره إلا بأن السلطان قابوس – أطال الله في عمره – عدل، فأمن، فنام مطمئنا راكناً لحب الشعب له.. وبذلك – ولذلك – يستحق أن يكون ” قبسا” يُقتدى ويُهتدى به وبسياساته التي حولت الشعب من رعايا إلى أبناء
لميس ضيف – الشبيبة
25 مارس 2015