فيصل الحمود المالك الصباح – سفير دولة الكويت في الأردن :–
يتقن العمانيون اخراج المعاني من مجازاتها اللغوية، وتحويلها الى وقائع ملموسة على ارض الواقع، لا تخطئها العين. ففي يوم النهضة مثلا، المناسبة التي يحتفلون بها كل عام، تتجسد مفاهيم «صناعة المستقبل» و«صياغة ملامح الزمن» لتفقد احاديث الصالونات هلاميتها وعمومياتها ودلالاتها الخيالية.
ومع تراكم احتفالات العمانيين بهذا اليوم، على مدى العقود الأربعة الماضية، منحوا مفهوم صياغة «ملامح الزمن» بعدا جديدا، يعرفه الذين واكبوا مسيرة الخير والعطاء، التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- بهمة القائد الواثق بعزيمة شعبه. فالمعمار الملحمي لتجربة النهضة العمانية قصة نجاح يتوه المرء بين تفاصيلها ما لم يعرف سرها. وسبر أغوار الملحمة يبدأ من جذورها، الممتدة إلى عمق العلاقة بين قائد وضع أقدامه على ارض صلبة، ليحدد خارطة طريقه إلى دولة عصرية بكل ما تعنيه الكلمة، وشعب تعلم مواجهة المصاعب من جدلية ارتباطه بالبحر، ليتماهى مع شموخ وكبرياء الجبل. أولى مفردات العلاقة، حالة التفاعل الواعي، بين القائد الذي ادرك قيمة الإنسان وقدراته، والشعب الذي وثق في قدرة قيادته على تذليل المصاعب. وجدت هذه المفردة ترجمتها في النظام الأساسي للدولة الذي صدر مع تولي حضرة صاحب الجلالة مقاليد الحكم عام 1970 ليحدد عمل السلطات ويضع الإطار القانوني الذي يحفظ حرية الفرد وكرامته. ولمواكبة النهوض وتعزيزه بقي المشهد السياسي العماني متفاعلا مع الحاجة للتجديد والتطوير. فالتوسع في صلاحيات مجلس الشورى دليل حيوية، وثقة في نجاح التجربة ومناعتها، وحرص على ترسيخها. ديمومة التحديث والعصرنة التي تشهدها السلطنة في جميع المجالات دلالة على وضوح الرؤية العمانية وثمرة من ثمار الاستقرار في منطقة دائمة التوترات واتساع عملية البناء لتشمل مختلف الأصعدة تعبير آخر عن ادراك صانع القرار العماني لمتطلبات النهوض والتنمية. جمع العمانيون بين المرونة والثبات، والمحبة والحزم، والتأمل والعزم، وهم يرسخون نهضة في كل مناحي الحياة، مبنية على التعلم من التاريخ، ومفتوحة على المستقبل. وبعد أربعة عقود من العطاء والبناء والإنجاز تحول يوم النهضة العماني إلى عهد من النهوض