الثالث والعشرُوْن من مَارس.. تاريخٌ حَجَز لنفسهِ مكانةً بين الأعياد العُمانيَّة. وأضْحَى يَوْمُ العَوْدَة مُناسبةً للاحتفال تخليدًا لتلك اللحظات الاستثنائيَّة التي توجَّهتْ فيها قلوبُ وأفئدةُ وأنظارُ العُمانيِّين صَوْب سُلَّم الطائرة الميْمون، الذي حَمَل جلالة السُّلطان في رِحْلة العَوْدَة إلى أرْضِ الوطن، مُكلَّلا بتمامِ الصِّحة والعَافية.
ليتحوَّل كلُّ شَيء إلى دفقٍ من المشاعر الجزلى، التي عَمَّت الجميع في صِدْق وعفويَّة، وانعكستْ على تعابير المواطنين الذين كانوا يتُوْقُون إلى هذه اللحظة مُنذ أكثر من ثمانيةِ أشهرٍ طوالٍ؛ كابدُوا فيها صُعُوْبة الانتظار، وتباريح الأشواق.
عادتْ تلك الإطلالةُ السَّامية لتُعِيْد الرُّوح إلى جَسَدِ الوطن؛ في رسالةٍ تعكسُ الإرادة لمواصلة التنمية، والمضي قدمًا في مسيرة الإنجازات.
عادَ جلالته إلى أرضِ وطنٍ لطالما حلم بتلك اللحظة، مشفوعًا بدُعَاء الأمَّهات العُمانيَّات بالشفاء والعَوْدَة سالمًا إلى أرضِ الوطن.. وها هُو الدُّعاء يُستجاب، وآمالُ الشعب تتحقَّق بعَوْدَة جلالتهِ إلى الأرضِ المباركةِ التي انتظرتْ مَقْدِمَه الميْمُون طويلاً.
انطلقتْ أهازيجُ الفرح والمحبَّة والولاء لتجسِّد عُمْق المشاعر الجيَّاشةِ التي يُكنها أبناءُ الوطنِ لقائدِ مَسِيْرة عُمان الخير، ولتؤكِّد مَتَانةِ العلاقةِ التي تربطُ القائدَ بأبناءِ شَعْبه الأوفياء.
… لوحات شعبيَّة رسمتها الحُشُود المبتهِجَة بالعَوْدَة الميْمُونة في مُختلف المدن والحواضر، وبشكلٍ عفويٍّ وصادقٍ في السَّاحات؛ مردِّدة “أبشري.. قابوس جاء”.
… لحظة تاريخيَّة انتظرها أبناءُ عُمان الأوفياء طِيْلة الشُّهور الماضية؛ للتعبِيْر عن الحُبِّ والولاء. وهذهِ المظاهر الاحتفاليَّة بالمقْدِم السَّامي ليستْ بمُسْتَغربَة؛ فهي نتاجٌ لغرسِ السُّلطان قابوس بذورَ الرَّخاء والتَّسامح؛ لتُثْمِر -على مَدَى العُقوْد الأربعة الماضية- نهجًا مُتفرِّداً في الولاء والوفاء والمحبَّة. وهو نهجٌ قلَّ أنْ نجدَ له مثيلا في العلاقات بين الحُكَّام والشُّعوب في عَصْرنا الرَّاهن.
… علاقةٌ بَيْن القائدِ وشعبهِ تقومُ على الصِّدق والإخلاص والحبِّ المتبادل؛ لذا فلا غَرْو أنْ تفيضَ المشاعرُ الصَّادقة والجيَّاشة بمُناسبة العَوْدَة الميْمُونة لجلالته؛ عرفاناً بما حقَّقه لأبناءِ عُمان من تقدُّم ورِفْعَة ونَمَاء.
… إنَّ النهجَ العُمانيَّ أصْبَح اليَوْم مَدْرَسة فِي فلسفة الحُكم والسِّياسة، وكما يُحقِّق النجاحات داخليًّا، يصنعُ إنجازاتٍ بالخارج أيضًا؛ فهو مَنْظُوْمة مُتكامِلَة، وحلقات يُكمل بعضُهَا البعضَ الآخر.. والحال هكذا، فليْسَ مِن قبيل الصُّدفة أنْ تتميَّز السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة بكوْنِها تقومُ على أٌسس وثوابتٍ بفَضْل بَصِيْرة صاحبِ الجلالة في النَّظر إلى مآلاتِ الأشياء، والبُعْد عن الانفعاليَّة ورُدودِ الفعلِ في اتِّخاذ القرارات المصيريَّة، والعمل مِنْ أجل السَّلام كخيارٍ إستراتيجيٍّ، واعتماد الحُلول السلميَّة والسياسيَّة للأزمات، بعيدًا عن الصِّدامات التي لا تجني منها الشعوبُ سِوَى الدَّمار.
وقَد أثمرَ هذا النهجُ العُمانيُّ عن نَزْع فتيلِ الكثيرِ من التوتُّرات والحُرُوْب.
وتَسْعَى السلطنةُ جاهدةً لتقريبِ وجهات النَّظر؛ تلافيًا للتَّصْعِيد الذي يضرُّ بأمنِ واستقرارِ المنطقة. ومن ذلك: تقريب الشقة بين الفُرَقاء بشأنِ مُفَاوضَات الملفِّ النوويِّ الإيرانيِّ، وهي مساعٍ حميدة ضَمِنَتْ استئنافَ المحادثات، وجنَّبتْ المنطقةَ ويْلات حربٍ كانتْ ستقضِي على الأخضر واليابس.
واليوم.. وانطلاقاً من النَّهج ذاته، الذي يُحافظ على مَسَافةٍ واحدةٍ من جَمِيْع الفرقاء؛ بغيَّة التوصُّل لحلولٍ تحفظ لليمن وحدته، وتجنبه الحَرْب الأهليَّة، لم تُشارك عُمان -بوَعْي وحكمة- في التَّحالف الذي يشنُّ غاراتٍ حاليًا على اليمن.
كما أنَّ ذلك يأتي من مُنْطَلق القناعةِ بأنَّ الحربَ لا تحل المشكلات، بل تنكأ الجِرَاح، وتعمِّق الهُوَّة بَيْن الأشقاء. ويُلاقي هذا النهج صَدًى واسعًا، ليْسَ على الصَّعيد الدَّاخلي فحسب، بل على مُسْتوى العالم.
ويبقى القولُ.. إنَّ العَوْدَة الميْمُونة لجلالة السُّلطان لن تَقْتصرَ ثمارُها على عُمان والشَّعب العُماني فحسب، بل ستُسْهِم في تكريسِ السِّلم والاستقرار بالمنطقة، والتي هِي في أشدِّ الحَاجَة إلى جُهُوْد جلالته الحكيمة؛ من أجلِ احتواءِ المخاطر التي تعجُّ بها المنطقة، وللعبُوْر بها إلى برِّ الأمان.
حاتم الطائي – جريدة الرؤية
السبت، 28 آذار/مارس 2015 22:29