تحتفل السلطنة اليوم (الثامن عشر من نوفمبر) من أقصاها إلى أقصاها بمناسبة العيد الوطني الأربعين المجيد، وهي مناسبة غالية على قلب كل عماني ترعرع على أرض هذا الوطن، واكتحلت عيناه بالمنجزات، وقرتا بالأمن والأمان، وعبقت يداه بالعيش الكريم، وترطب لسانه بمنطق التعبير الحر.
وقد سبقت هذه المناسبة استعدادات ومسيرات عمت مختلف أرجاء السلطنة خرج المواطنون ذكورًا وإناثًا معبرين عن عميق فرحتهم وثقتهم في قائدهم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مجددين العهد والولاء، ومعربين عن عظيم امتنانهم وكبير عرفانهم على ما تحقق من منجزات تنموية، ونقلة اقتصادية أكدت ما يتمتع به قائدهم من حكمة ورؤية ثاقبة، وانعكست بشكل إيجابي على الجانب الاجتماعي والمعيشي، فهؤلاء المواطنون إنما أرادوا أن يعبروا بطريقتهم عن مدى ما يكنونه من احترام وتقدير لقائدهم الذي أرسى دعائم دولة عصرية يشار إليها بالبنان.
وفي المقابل كانت الأيادي البيضاء والمكارم السخية من لدن عاهل البلاد المفدى خير معبر وأبلغ رسول للتعبير عن مدى ما يكنه جلالة القائد ـ أعزه الله ـ من حب كبير لشعبه الأبي، حيث إن كل همه رؤية الإنسان العماني يرفل في أثواب قشيبة من الصحة والنعماء والعزة والكرامة، وأن تكون عمان كما كانت بلدًا ذا حضارة وتاريخ عريق يحظى بالعزة والكرامة والاحترام. فهو بحق عيد المكارم.
إن العيد الوطني مناسبة وطنية بامتياز يتجدد فيها العهد والولاء والعرفان، ومؤشر على مضي مرحلة وقدوم أخرى تبني على ما تم إنجازه في الأولى وهكذا دواليك، لبنة فوق أخرى إلى أن تم البناء ليقف شامخًا مباهيًا المهندسين بعليائه ومتحديًا إياهم في عظيم صنعه ودقة إحكامه، وها هو البناء يكمل عقده الرابع ليعلن عن نفسه بأنه ليس بناء أي بناء، وإنما هو دولة عصرية مترامية الأطراف تحققت بعون الله وعمل دائب متفانٍ من المخلصين، فهي محفوظة بحفظ الله ومصانة بإخلاص الأوفياء من أبنائها الذين رفعوا لواء الله الوطن السلطان، المؤمنين بأن الوطن مقدس، وبناءه واجب، ورفعته حق، وصونه فرض، فالوطن جزء من الإنسان المكون من المادة والروح، لا بل هو كل من الإنسان، فلا هوية ولا قيمة له بدون الوطن، وأي مساس به أو بمنجزاته يعني أن التوازن المطلوب في هذا الإنسان قد اختل واضطرب، فإذا طغى عليه جانب المادية تحول إلى البهيمية وصار عبدًا للمادة وأسيرًا لشهواته، والعكس صحيح فإذا غلب عليه جانب الروح ضاعت حكمة البناء والإعمار.
لقد كان جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ واضحًا في كلمته السامية في الرابع من أكتوبر من هذا العام في افتتاح الانعقاد السنوي لمجلس عمان بحي الشاطئ في صلالة في بيان حجم التحديات التي واكبت بناء الدولة العصرية، حيث قال جلالته مخاطبًا مواطنيه الكرام “.. إذا كان بناء هذه الدولة العصرية التي تطلعنا إليها قد تحقق بعون من المولى عز وجل فإن الطريق إليها لم يكن كما تعلمون جميعًا سهلًا ميسورًا، وإنما اكتنفته صعاب جمة وعقبات عديدة، لكن بتوفيق من الله والعمل الدؤوب وبإخلاص تام وإيمان مطلق بعون الله ورعايته من جميع فئات المجتمع ذكورًا وإناثًا تم التغلب على جميع الصعاب واقتحام كل العقبات والحمد لله”. فهنا يريد جلالة السلطان المعظم أن يؤكد على الدور الفعال الذي لعبه المواطنون بجميع فئاتهم في بناء الدولة، داعيًا في الوقت ذاته إلى أن من بنى عليه أن يحافظ على بنيانه.
إن العيد الوطني الأربعين المجيد يعلن عن دخول النهضة المباركة عقدها الخامس، وكلنا ثقة بأن من استطاع أن يجعل خطاه ثابتة على مدى أربعة عقود وفي نسق منتظم هو قادر على مواصلة العقود التي تليها بنفس الإصرار والصبر والحكمة وقوة الشكيمة والرؤية النافذة، فضلًا عن مستقبل مشرق أبهر.