امضى جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان رحمه آلله خمسة عقود من الزمن هي اصعب خمسين عاما مرت في تاريخ المنطقة العربية والاقليم، شهد خلالها سلة متنوعة من الحروب والنزاعات والصراعات مثلما شهدت المنطقة اكبر التحولات في نظم الحكم وبروز الايديولوجيات وولادة التطرف..
مشى السلطان بحكمته وتبصره بين حقول من الالغام لا يعرف متى وكيف تتفجر في وجهه لكنه تمكن ببراعة من نزع صواعقها والسير بمنهج بناء دولة المؤسسات. فالسلطنة دولة عريقة وتستمد تقاليدها في الحكم والسياسات من موروث غني فهي تكاد اي الاسرة البوسعيدية الحاكمة واحدة من الاسر القليلة الممتدة في الحكم منذ عام 1741م وترتكز الى دور تاريخي امبراطوري امتد نفوذها واشعاعها الحضاري الى شرق افريقيا واسيا.
جمع السلطان بين مفهومين هما الاصالة والحداثة واعتمد أسلوبا في صنع قراراته يعتمد التأني والتدرج وباشر منذ توليه مقاليد الحكم عام ٩٧٠م في تثبيت السلم الاهلي داخل بلده وتصالح مع شعبه واشرك الجميع دونما اقصاء وتهميش وواجه ازمات المشاركة والتوزيع والاندماج بالتنمية الشاملة ببعد بصر وبصيرة مستندا الى شعب عمان الذي بادله الحب والوفاء والعطاء..كان السلطان قابوس مدركا للموقع الجيوسياسي لبلده فاندمج في بيئته الخليجية واسهم في تعزيز اسس العمل العربي المشترك مثلما قام بمد الجسور مع محيطه الاقليمي والساحة الدولية فلم يتدخل أو ينحاز لطرف ضد اخر ولم ينجر للمناوشات والتهويشات السياسية وكانت سياسة الصمت احيانا التي طبعت بعض مواقفه نابعه من روحه المحبة للسلام والبحث عن حلول للمشكلات واخماد الحرائق ونسج بسلاسة وتناغم اوثق العلافات مع القوى الكبرى وجنب بلده تداعيات الصراعات والتوترات التي شهدها الاقليم..كان السلطان قابوس مثقفا من طراز رفيع ومطلع بشكل واسع على كل ما يكتب في مجال التاريخ والفكر والعلوم حتى أن وزيرة ثقافة في دولة عربية قالت لي لقد ادهشنا نحن وزراء الثقافة العرب حينما استقبلنا بأن ما حدثناه عن مؤلف أو اصدار جديد إلا وقال انه اطلع عليه ويحضر لنا نسخة منه ويناقشنا!!
ذهب السلطان قابوس إلى عفو ربه بسلام واكاد اجزم انه رحل وليس له عدو أو مبغض، فكل ما قام به من ادوار وربما تحمل ظروفا ما بصبر وتبصّر كان من اجل عمان ولأجل استقرارها وأمنها عُمان التي احبها وافنى كل عمره ساهرا على ترفيتها ومنعتها .
ذهب الرجل وترك لمن خلفه جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور ذخيرة حية من التقاليد والارث السياسي والخبرة والتجربة المتفردة مما يعينه بالسير على هدي ذات الطريق الذي سار عليه سلفه السلطان قابوس كما اكد جلالته على ذلك في خطاب تنصيبه..رحل قابوس وعمان دولة قوية متماسكة وحديثة وهذه سنة الحياة في الاستمرارية..رحم الله السلطان قابوس واسكنه فسيح جناته وسدد خطى سلطان عمان الجديد السلطان هيثم بن طارق على طريق الخير والانجاز وازدهار عمان.
أ -د : كريم فرمان
https://www.rsan-news-sa.com/articles/120093/