منذ انطلاق مسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وعلى امتداد العقود والأعوام الماضية، أرسى جلالته ـ أعزه الله ـ سياسات السلطنة ومواقفها حيال مختلف القضايا والتطورات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية على أسس ومبادئ وقيم محدّدة، ثابتة ومعلنة وفي مقدمتها الإيمان العميق بالسلام والعمل على تحقيقه عبر حلّ مختلف القضايا والنزاعات بالحوار والطرق السلمية إدراكا ويقينا بأن السلام والأمن والاستقرار هي ركائز ضرورية ولا غنى عنها لتحقيق التقدم والازدهار، وتوفير المناخ الملائم لتعاون أفضل وأكثر فائدة لحاضر دول وشعوب المنطقة ومستقبلها أيضا.
وعلى امتداد العقود والسنوات الماضية، لم تدّخر السلطنة وسعا في العمل من أجل تحقيق السلام والحل العادل وعبر الحوار البناء في إطار الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي تمثل القضية المركزية للدول العربية والتي اهتمت بها السلطنة وجلالة السلطان المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ شخصيا وهو ما شمل كذلك مختلف القضايا والتطورات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى حيث مثلت مسقط بوابة أساسية، ومدخلا هاما للكثير من قادة دول المنطقة والعالم أيضا للسير على طريق التقارب، وحل النزاعات عبر الحوار، بما يحقق المصالح المشتركة والمتوازنة للأطراف المعنية.
وكالعادة لا تتأخر السلطنة في الاستجابة وبذل مساعيها الحميدة من أجل التقارب وتجاوز الخلافات وحل المشكلات، خاصة عندما تتجه إلى جلالة السلطان المعظم ـ أعزه الله ـ ثقة في حكمته، وبعد نظره ويقينا بمصداقية السلطنة، وجدّيتها وحرصها على بذل كل ما تستطيع، دون حسابات خاصة ودون ميل أو تحيز للجهود لصالح طرف على حساب آخر، لأنها تحرص دوما على دورها المتوازن وعلاقاتها مع مختلف الأطراف المعنية.
وإذا كانت الزيارة الرسمية التي قام بها فخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هذا الأسبوع واستقبال جلالة السلطان المعظم له يوم الاثنين الماضي الموافق 22 أكتوبر الحالي تشكل زيارة على جانب كبير من الأهمية والدلالة، خاصة فيما يتصل بالجهود والمساعي العمانية لدعم وتعزيز الموقف الفلسطيني الساعي إلى التوصل إلى حل سلمي عادل وشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين الذي أيده المجتمع الدولي، خاصة وأن الرئيس عباس وصف محادثاته مع جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ بأنها مهمة للغاية ، فإن أهمية وقيمة الإسهام العماني الإيجابي من أجل السلام تتضح في ضوء ما تم الإعلان عنه أمس بشأن زيارة دولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسلطنة يوم أمس ولقائه مع جلالة السلطان المعظم وهو ما يلقي مزيدا من الضوء على مساعي السلطنة للتهيئة لاستئناف الاتصالات وتحريك عملية السلام مرة أخرى بين الفلسطينيين وإسرائيل خاصة وأن السنوات الماضية أكدت على نحو واضح وقاطع أيضا أنه لا مناص من التوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم يحقق الأمن والاستقرار ليس فقط للشعب الفلسطيني ولكن للشعب الإسرائيلي أيضا، وللمنطقة ككل كذلك، باعتبار حل القضية الفلسطينية هو ضروري للسلام والاستقرار في المنطقة، وحتى تتمكن شعوبها من مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهها الان.
وبينما أشار معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في كلمة السلطنة أمام الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 سبتمبر الماضي إلى أن الظروف القائمة حاليا، ورغم صعوبتها وتوقف الحوار باتت مواتية لإيجاد بيئة لنقاشات إيجابية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى التسوية شاملة على أساس حل الدولتين “وأن السلطنة على استعداد لبذل كل جهد ممكن لإعادة بيئة التفاؤل للتوصل إلى اتفاق شامل يضع في الاعتبار مستقبل التعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط لاسيما بين الأجيال الفلسطينية والإسرائيلية” ، فإن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للسلطنة ( 21 – 23 / أكتوبر 2018 ) وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للسلطنة واستقبال جلالة السلطان المعظم لكل منهما تحملان العديد من المعاني والدلالات، فيما يتعلق بدور عمان وإسهامها الإيجابي والمتواصل من أجل السلام وعبر الحوار، سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو بالنسبة لليمن وليبيا وغيرها من القضايا العربية والإقليمية إيمانا بالسلام ، وعملا من أجل استقرار وازدهار كل دول المنطقة وشعوبها وتطلعها لغد أفضل وهو ما تدركه وتثمنه شعوب المنطقة والعالم وقادتها أيضا في ظل العديد من الإسهامات التي قامت بها السلطنة، سواء ما أعلن منها أو لم يعلن.
ويكفي السلطنة أن تنعم دول المنطقة وشعوبها بالأمن والسلام والاستقرار وأن تتعاون بحسب نية ووفق المبادئ التي تؤمن بها السلطنة من أجل تحقيق المصالح المشتركة
والمتبادلة اليوم وغدا.