المشهد التأبيني الذي لا تزال ترسم تفاصيله عمان ـ قيادةً وحكومةً وشعبًا ـ لفقيد الوطن والأمة وباني نهضة عمان الحديثة ورافع رايتها ومجدها جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ هو مشهد يسجل لحظات الوفاء والانتماء والعرفان للمغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ ولعمان التي أحبها وأخلص لها وتفانى من أجلها لتعود ذات شهرة وقوة كما كانت في الماضي، لعمان وهو على فراش المرض لا يشغله مرضه عن عمان ومعنى وقيمة عمان ومكانتها في قلبه ووجدانه وضميره، وأن تبقى عمان عزيزة أبية شامخة ماجدة تعلو راياتها، وعن قيمة شعبها الوفي ومكانته في قلبه الأبوي الكبير.
صحيح أن الموت والحياة هي سنة الله في الكون وخلقه، وبيده كل شيء وهو على كل شيء قدير، ومع هذا التسليم المطلق للخالق عز وجل، إلا أن الموت غيب ـ وتلك إرادة الله ولا راد لقضائه ـ قائدًا عظيمًا أفنى عمره من أجل وطنه وشعبه الوفي، مخلصًا للأمانة مؤديًا حقها، ولهذا تحزن عمان وتأسى على فقدها قائدًا عظيمًا يتدفق عقله وعبقريته سياسة حكيمة وتقيم بناء شامخًا حصينًا، وتنبجس حناياه ووجدانه وقلبه الكبير حنانًا وعطفًا ورحمةً وإخلاصًا ووفاءً، وتنساب من بين يديه أنهار كرمه لتشمل الداخل والخارج.
إن مواكب المعزين التي تروح جيئةً وذهابًا، وتحول بيوت عمان كلها إلى بيوت عزاء لتؤبن الفقيد الغالي قلب هذا الوطن، كفيلة بتبيان حجم الحزن والأسى على فقد قامة عظيمة، وفقد سند عظيم وقلب رحيم، وعقل حكيم. ففي كل بيت داخل عمان وخارجها ترتفع أكف الضراعة، وتلهج الألسن بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وتسرد فيها مناقبه ومآثره ومواقفه الإنسانية، والإلحاح للمولى جلت قدرته بأن يتقبله، ويجعل كل ما قدمه لعمان وشعبها وللأمتين العربية والإسلامية من صنائع الخير والمواقف الداعمة والناطقة بالحق في ميزان حسناته، وأن ييمن كتابه، ويجعله في عليين مع الأبرار والصالحين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مما لا شك فيه، أنه حين تذكر عمان يذكر معها المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ وحين يذكر ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ تذكر عمان في ارتباط أبوي حميمي متين تفوح منه رائحة الطيب لتربعه في قلوب أبناء عمان الأوفياء كتربع الملك على عرشه، ومن المؤكد أن الذين لم تسعفهم مهجهم وألسنتهم عن التعبير عن مشاعرهم تجاه فقدان هذا الرمز العظيم الخالد وصاحب المثل الطيب، ورجل الحكمة والسلام والتسامح، لشدة الفقد وحجم الحزن والأسى هم أضعاف مضاعفة، كانت وسيلة تعبيرهم البكاء وذرف الدموع، والاحتساب والدعاء.
إنها لحظات الصدق والوفاء والإخلاص والوعد بأن يبقوا على رباط وتواصل لا تطويه الأيام ولا السنون بملازمة الدعاء لجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ فكل ذرة وكل لبنة وكل حجر في عمان محفور فيها هذا الرمز الخالد، عليه من الله شآبيب رحمته ومغفرته، والذي لن تنساه عمان وسيبقى خالدًا في وجدانها وضميرها.
alwatan.com/details/368704