إذا كانت المناسبات الكبرى للدول والشعوب، تشكل فرصة للنظر والتأمل في ما تحقق لها من منجزات، فإنها تقدم في الوقت ذاته مناسبات للسعادة والاعتزاز الوطني بما تحقق ولشحذ الهمم بمزيد من الطاقة والعزم، لمواصلة المسيرة وصولاً إلى أهداف أخرى وإلى مراتب أعلى من التقدم والازدهار.
وفي هذا الإطار تكتسب الكلمة السامية التي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه وألقاها أمس في الافتتاح السنوي لمجلس عمان أهمية بالغة، ليس فقط لشموليتها، ولكن أيضاً لما اشتملت عليه من مضامين تشكل في الواقع دليلاً على العمل الوطني خلال هذه المرحلة الحيوية لمسيرة النهضة العمانية الحديثة.
ففي الوقت الذي تحتفل فيه البلاد بالعيد الأربعين للنهضة المباركة، فإن مما له دلالة عميقة أن يفتتح جلالة السلطان المعظم مجلس عمان وأن يلقي كلمته السامية من مدينة صلالة، فقبل أربعين عاماً تحدث جلالته حفظه الله ورعاه إلى أبناء الشعب العماني الوفي معلناً انطلاق المسيرة المظفرة من أجل حياة أفضل للوطن والمواطن، ومن أجل بناء دولة عصرية على هذه الأرض الطيبة، ومن أجل أن يكون المواطن العماني سعيداً، ومن أجل أن تستعيد عمان، الدولة والشعب والمجتمع، دورها ومكانها ومكانتها التي كانت لها دوماً والتي طالما قدرها الآخرون، دولاً وشعوباً، على امتداد المعمورة لما أسهمت به عمان في مختلف مراحل الحضارة الإنسانية.
وبعد أربعين عاماً من العمل والجهد والعطاء المتواصل تأتي الكلمات السامية لتؤكد على الحقيقة الكبرى المتمثلة في الإنجازات العديدة التي تحققت، والنقلة الضخمة التي غيّرت وجه الحياة على هذه الأرض الطيبة، عندما انطلقت المسيرة بقيادة جلالته، امتلك جلالته الأمل والثقة في توفيق الله عز وجل واليقين بقدرات المواطن العماني وبقدرته على القيام بدوره والنهوض بمسؤولياته الوطنية لبناء واقع جديد ولإعادة صياغة الحياة لكي تفي باحتياجات وتطلعات أبناء الشعب العماني في الحاضر وفي المستقبل أيضا.
(فمن محافظة ظفار انطلقت النهضة العمانية الحديثة وفيها بدأت خطواتها الأولى لتحقيق الأمل، وها نحن نحتفي في ربوعها الطيبة بالذكرى الأربعين لمسيرتها المباركة التي تحققت خلالها منجزات لا تخفى في مجالات كثيرة غيّرت وجه الحياة في عمان وجعلتها تتبوأ مكانة بارزة على المستويين الإقليمي والدولي).
إن افتتاح جلالة السلطان المعظم أمس للانعقاد السنوي لمجلس عمان يشكل في حد ذاته تعبيراً بالغاً عن طبيعة وحجم ما تحقق من تطور وتقدم لم يقتصر على الجوانب التنموية التي ارتفعت بمستوى الحياة بشكلٍ شاملٍ لأبناء الوطن، ولكنه يمتد إلى صيغة العمل الوطني التي وضعها جلالته حفظه الله ورعاه منذ وقت مبكر وللعلاقة العميقة التي تربط بينه وبين المواطنين على امتداد هذه الأرض الطيبة، فمجلس عمان هو في الواقع البرلمان العماني بمجلسيه مجلس الدولة ومجلس الشورى، ويحضر أعضاء مجلس الوزراء الموقر الانعقاد السنوي له، حيث تشكل الكلمة السامية لجلالته إطار العمل الوطني التي تعمل في ضوئها وعلى أساسها مختلف أجهزة الدولة، سواء الحكومة أو مجلس الدولة أو مجلس الشورى أو غيرها من الهيئات الأخرى. وبالرغم من استقلالية الأجهزة التنفيذية والبرلمانية التي يمارس كل منها مهامه واختصاصاته وفق ما جاء في النظام الأساسي للدولة والقوانين واللوائح الخاصة بذلك والمنظمة لها، إلا أنها تتكامل جميعها في العمل من أجل تحقيق حياة أفضل للمواطن العمانى ومن أجل مستقبل زاهر للأجيال القادمة، وهو ما يقوده ويوجهه جلالة القائد المفدى.