إن الكلمة السامية التي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بإلقائها في افتتاح الفترة الخامسة لمجلس عُمان بحصن الشموخ في محافظة الداخلية أمس، حملت عناوين العمل الوطني للمرحلة القادمة على طريق البناء العصري للدولة العمانية، حيث أفصحت مفرداتها عن منهاج عمل يجب أن تسير وفقه بلادنا لتكمل نهجها العصري ومشوار تنميتها، مُحافظةً على منجزاتها ومكتسباتها، والالتزام بهذا المنهاج وحده الكفيل بذلك.
وتعد تجربة الشورى أحد محتويات هذا المنهاج المهمة، وتتمثل أهميتها في كونها استندت على نظام ربانيً به تنتظم حياة الناس وينظم شؤونها، ومثلت قاعدة من قواعد العمل البنَّاء والخلَّاق المنتج، حيث عبرت عن اجتماع للأفكار ووحدة في الموقف والقرار. ولأنها كذلك وفي سبيل تفعيل الشورى باعتبارها أداة من أدوات البناء والمشاركة في التنمية أعطيت لمجلس عُمان بجناحيه (الدولة والشورى) الصلاحيات الموسعة الرقابية والتشريعية التي تمكِّن الشورى من الاضطلاع بمهامها والقيام بمسؤولياتها التي أرادها لها عاهل البلاد المفدى الذي أكد ـ أيده الله ـ أنه يتطلع إلى نقلة نوعية يحققها مجلس عُمان في ضوء التعديلات الجديدة لصلاحياته بما يخدم العمل الوطني في جميع اتجاهاته ومناحيه، والمساهمة في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحقق المصلحة العليا للوطن والمواطنين. ولذلك تتوقف على أعضاء مجلس عُمان اليوم مسؤولية وطنية كبرى في تحقيق كافة المتطلبات والالتزامات التي تحفظ وحدة هذا الوطن وتقدمه ورفعته وتصون منجزاته ومكتسباته، وتخدم مصلحة أبنائه، ولتحقيق هذه الأهداف السامية وجه جلالته بوجوب التنسيق المستمر بين مجلس عُمان والجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات المدنية والخاصة، وتبادل المشورة بما يضمن سلامة الخطط ونجاحها.
وإذا كانت الدولة العصرية لابد لها أن تقوم على بنية أساسية قوية، فإن النهج الصحيح ينبغي أن يكون هناك توازن بين التطور المتسارع والتقدم المتنامي والنهل منه، وبين الالتزام بالموروث الحضاري والثقافي والتمسك بالعادات والتقاليد، تحدو إلى ذلك العزيمة والإصرار على مواجهة التحديات، والعمل على صون منجزات الوطن والحفاظ عليها من كل سوء والذود عنها ضد كل عدو حاقد أو خائن كائد أو متربص حاسد، فهي أمانة كبرى في أعناق الجميع يسألون عنها أمام الله والتاريخ والوطن.
ومن بين المحددات التي يجب أن تقوم عليها الدولة العصرية، الموارد البشرية التي تعد عصب الدولة والمحرك الأساسي لجميع مفاصلها، وما دام الإنسان هو المحرك الأول فإنه في المقابل هو المستفيد الأول منها، ولإيجاد علاقة ترابط قوية بين التنمية والإنسان كان لابد من إيلاء الشباب الرعاية والاهتمام ومواصلة هذا الأمر لإعدادهم الإعداد الجيد الذي يؤهلهم للمشاركة في التنمية الشاملة من حيث الخبرة والمهارة والتطلع إلى الرقي والتطور، وفي سبيل ذلك لابد من إخضاع مسيرة التعليم لتقييم شامل بما يحقق الاستفادة من فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص.
على أن الأمر الأهم هو أن تبقى الدولة العمانية العصرية محصنة من الداخل، وتحصينها يأتي من حرية التعبير التي كفلتها قوانين الدولة وأنظمتها، فهذه الحرية هي المناخ الآمن الذي في ظله تنضج الأفكار والآراء والتي تدل على قوة المجتمع وحيويته وسعة اطلاعه وثقافته، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال سيادة آراء أو أفكار على آراء وأفكار أُخر أو مصادرتها، وإنما يجب أن تظل في الإطار المتعارف عليه وهو أن حرية الفرد تنتهي حين تبدأ حريات الآخرين، فتسلط آراء أو احتكارها والسماح بذلك إنما فيه حكم مسبق بتدمير المجتمع ولو بعد حين. ومن الأمور التي تحصن الجبهة الداخلية هي الالتزام بمبدأ الأمانة والإخلاص في العمل والوظيفة وعدم تجسيرها للمصلحة الشخصية سواء كان بطريق مباشر أو غير مباشر، لأن ذلك نوع من أنواع الفساد الذي هو أحد معاول تدمير المجتمع.
لقد وضعت الكلمة السامية لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منهاجًا واضحًا لتسير عليه الدولة العمانية العصرية ويبقى على أبناء هذا الوطن المخلصين كل في موقعه من المسؤولية أن يجسدوا هذا المنهاج على هذه الأرض الطيبة انجازات تحقق المزيد من الرخاء وتثبت دعائم عزة الوطن ومنعته.