ندوة كراسي جلالة السلطان قابوس بن سعيد وإسهاماتـها في تنمية المعرفة الإنسانية
حضر الحفل أصحاب المعالي رئيسا مجلسي الدولة والشورى وعدد من الوزراء والمستشارين وأصحاب السعادة وأساتذة الجامعة وجمع من المدعوين.
ويشارك في أعمال الندوة عدد من الأساتذة المشرفين على الكراسي العلمية التي تحمل اسم جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ من مختلف المؤسسات العلمية والجامعات المرموقة على مستوى العالم.
وتناقش الندوة عدة محاور رئيسية هي الدراسات الشرقية والعلاقات الدولية والعلوم التطبيقية والموارد البشرية بمشاركة أحد عشر أستاذا أكاديميا سيقومون بإلقاء أوراق عمل تتصل بهذه المحاور.
وأكد معالي السيد علي بن حمود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني راعي الحفل أن الكراسي العلمية التي تفضل بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأمر بإنشائها في عدد من الجامعات العريقة هو هدف إنساني نبيل يؤكد الروابط الإنسانية التي بينتها العصور المتوالية التي أثبتت حاجة البشرية للتواصل بمختلف مناحي الحياة.
وأعرب معاليه بعيد حفل الافتتاح عن أمله في أن تؤدي هذه الكراسي رسالتها التي أنشئت من اجلها مؤكدا ان هناك إقبالا من الطلبة والأكاديميين والباحثين من مختلف دول العالم الذين يرغبون في الحصول على المعرفة حول الإسلام ودول العالم العربي معرفة دقيقة ومباشرة من خلال التحاقهم بهذه الكراسي واطلاعهم على ما يدور في العالم العربي والإسلامي مباشرة من خلال الأساتذة والمشرفين على هذه الكراسي وما تقدمه من وسائل معرفية سهلة الوصول بدون وسيط ومن مصادرها الأساسية مشيرا معاليه إلى أن الكراسي وضعت للراغبين في الحصول على المعرفة الصحيحة عن العرب والإسلام بشكل دقيق.
وأشار معالي السيد وزير ديوان البلاط السلطاني إلى أن هناك طلبة عمانيين يلتحقون بهذه الكراسي ببعض الدول التي تربطها اتفاقيات مع جامعة السلطان قابوس او وزارة التعليم العالي وان بعض الطلبة المختصين بهذه الكراسي يتم ابتعاثهم بحيث تكون الاستفادة متبادلة بين هذه الجامعات والمؤسسات بالسلطنة.
وأضاف معاليه: إن هناك جامعات عريقة تتطلع إلى أن تكون لديها كراسٍ باسم جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مؤكدا أن هناك بعض الكراسي في طريقها للإشهار وهي في مراحل المراجعة النهائية وعلى ضوء الاستفادة التي اتضحت للجميع فان زيادة الكراسي من المؤكد أنها مقررة في السنوات القادمة.
وأكد معالي السيد علي بن حمود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني رئيس مجلس التعليم العالي على مكانة السلطنة العالمية ومساهمتها للعلم عبر العصور وقال معاليه ـ إن المتتبع والقارئ للتاريخ يجد أن المساهمة العمانية عبر التاريخ مساهمة حاضرة وسجلت عبر التاريخ في كتبها، مشيرا إلى الكثير من العلماء العمانيين فيها.
وأوضح معاليه أن موقع عمان على الخارطة العالمية باعتبارها ممرا للحضارات وهمزة وصل بين حضارات العالم جعل هذا الموقع المميز لعمان تساهم مساهمة فاعلة في كل عصر وزمان.
وقال معاليه «نحن نعيش عهد النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي دعا للعلم والمعرفة منذ أن تولى جلالته مقاليد الحكم في البلاد حيث أنشئت المدارس ودور العلم ومن أبرزها جامعة السلطان قابوس التي في أروقتها هذه الندوة القيمة وهذا دليل كبير على التواصل العالمي والحضاري لعمان التي استعادت مكانتها المرموقة كما أراد لها جلالته، مشيرا معاليه إلى مشاركة أبناء السلطنة في التحصيل العالمي على المستوى المحلي والدراسات العليا وأن هناك الكثير من الدراسات والبحوث التي قدمها أبناء هذا الوطن حيث الحضور العالمي والبحثي والميداني لطلبة السلطنة وباحثيها حاضر بكافة المستويات.
ودعا معالي السيد وزير ديوان البلاط السلطاني الجميع إلى الاستفادة من هذه الكراسي كما دعا أبناء السلطنة إلى ضرورة الاستفادة من جميع الأمور العالمية المتاحة لإبراز قدراتهم وإسعاد العالم وتقديم ما يمكن تقديمه للمجتمع المحلي والعالمي بشكل عام مؤكدا معاليه أن الفرصة سانحة لكل أبناء الوطن لتلقي العلم داخليا وخارجيا وقال إن وسائل العالم متاحة للجميع وأصبحت مسخرة لكل راغب في التحصيل العالمي.. معربا معاليه عن أمله في أن تخرج الندوة بالتوصيات التي تدعم هذا التوجه وتقوي العلاقات وتؤسس الجوانب البحثية لكي يستفيد منها الطالب والأكاديمي والقارئ بجميع دول العالم وان تكون هذه الندوة هي ترسيخ للمبادئ ودعوة للمزيد من التحصيل.
يذكر أنه تم حتى الآن إنشاء 14 كرسيا يحمل اسم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في مختلف جامعات دول العالم الذي كان أقدمها قد أنشئ عام 1980 وآخرها كرسي السلطان قابوس لدراسات الشرق أوسطية بجامعة طوكيو الذي أنشئ هذا العام.
وتهدف كراسي جلالة السلطان العلمية إلى التعريف بالدور الحضاري الذي تقدمه السلطنة في تنمية المعرفة الإنسانية، وتشجيع الوصول إلى مجتمع عالمي معاصر يعيش في سلام ويوجهه التفاهم المشترك والتسامح. كما تهدف الكراسي إلى دعم الدراسات العلمية والبحثية وتشجيعها، وإبراز دور السلطنة في التقريب بين الثقافة العربية والثقافات الأجنبية والتلاقي الحضاري بين الشعوب وصولا إلى حوار حضاري بناء وتعريف العالم بنهضة عمان وحرصها قديما وحديثا في تطوير دراسات اللغة العربية والتراث والثقافة والدراسات العلمية.
وقالت معالي الدكتورة راوية بنت سعود البوسعيدية وزيرة التعليم العالي في الكلمة التي ألقتها: إن انعقاد هذه الندوة يأتي في إطار الاهتمام السامي الذي يوليه مولانا حضرة صاحب الجلالة المعظم – حفظه الله ورعاه – بالعلم، ودوره في ترقية المجتمعات وتقدمها، وترسيخ قيم التواصل الإنساني بين مختلف الثقافات.
وقالت: لا شك أن الكراسي العلمية التي تفضل جلالته – ابقاه الله – بإنشائها في عدد من المؤسسات التعليمية المرموقة بالدول الشقيقة والصديقة، إنما تندرج ضمن هذا المفهوم الحضاري لما لها من أثر فعال في تنمية المعرفة الإنسانية من خلال استقطاب المهتمين والباحثين والطلاب على حد سواء، وتحفيزهم على البحث العلمي الذي يشكل أساسا للتقدم الحضاري الذي يشهده العالم في مختلف المجالات.
ومن هذا المنطلق تدرك عمان، كما في تاريخها العريق، أهمية دعمها المتواصل للعلم والعلماء، لتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التمازج الثقافي، وتوطيد العلاقات القائمة على مبدأ التسامح والحوار المتوازن والتعاون المتبادل من أجل إعلاء قيم المحبة والسلام بين مختلف الشعوب، وهو مبدأ حازت به عمان على احترام وتقدير المجتمع الدولي.
وذكرت د. راوية البوسعيدية أن الندوة سوف تركز على مناقشة عدد من المحاور الرئيسية في مقدمتها: محور الدراسات الشرقية والعلاقات الدولية، ومحور العلوم التطبيقية، ومحور تنمية الموارد البشرية، وذلك في إطار إبراز أهداف الكراسي العلمية، وغاياتها النبيلة، ودورها في دعم الدراسات العلمية والبحثية التي يتعاطى معها الباحثون في الجامعات التي تحتضن تلكم الكراسي، ونتطلع أن تكون تفاعلات هذه الندوة مناسبة طيبة للباحثين والأكاديميين وممثلي المؤسسات العلمية، للتعرف على الإسهامات العلمية المقدمة، وتبادل الآراء والخبرات والمهارات المعرفية بين المفكرين والباحثين العمانيين ونظرائهم من الأساتذة الأفاضل القائمين بالإشراف على الكراسي العلمية والأساتذة المشاركين، تمهيدا للقيام بمشروعات علمية وبحثية مشتركة، ووصولا إلى إسهامات معرفية جديدة من شأنها تفعيل مكونات المنظومة التعليمية، وتحقيق تطلعاتها في مختلف التخصصات.
يذكر أن كراسي سلطان عمان العلمية تختص بمجالات أكاديمية وميادين دراسة علمية ودينية وثقافية واقتصادية وفنية تسهم في تطوير البرامج والأنشطة وعمليات البحث العلمي في المجالات المتعلقة بالدراسات الفكرية والحضارية والأصول الدينية. وتتنوع الأنشطة والجهود التي تقدمها الكراسي العلمية، ولعل وأهمها إجراء البحوث العلمية في المجال العلمي للكرسي، وإصدار الكتب المتعلقة به وتنظيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات والملتقيات العلمية في ذات التخصص وهو ما ينعكس إيجابا على السلطنة والمجتمع العماني.
النفوذ العربي يقصي الفارسي والمغولي في غرب وجنوب آسيا
وترأس معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية أعمال الجلسة الأولى من الندوة التي كان مقررها سعادة حبيب الريامي أمين عام مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية والتي تحدث فيها الأستاذ الدكتور فرانسيس روبنسون أستاذ زمالة سلطان عمان في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة وقدم روبنسون ورقة بعنوان غرب وجنوب آسيا من القرن الثالث عشر الميلادي إلى الوقت الحاضر: الأمن والموارد والنفوذ.
وبحثت ورقة روبنسون الروابط بين جنوب آسيا وغربها منذ ظهور الدولة الإسلامية الكبرى وصولا إلى الوقت الحالي. وأكد روبنسون أن الغزو العربي والتركي والفارسي لغرب وجنوب آسيا الذي بدأ في القرن الثامن للميلاد كان البداية لعملية الأسلمة التي اجتاحت شبه القارة الهندية التي يقطنها الآن ما يزيد على نصف مليار من المسلمين، وهو ثلث عدد المسلمين في العالم، ورأى روبنسون أن ذلك التطور شكل أهمية جيوسياسية كبيرة، حيث أن جنوب آسيا والتي تمتعت دوما بعلاقات قوية مع غرب آسيا، حيث انتقلت بتلك العلاقة إلى مستويات جديدة أصبح خلالها التواصل بين الجانبين متاحا على مختلف الأصعدة مثل الدين، والمنح الدراسية، والفنون، والنظرة للعالم.
ولاحظ روبنسون أن انتشار الموارد في منطقة غرب وجنوب آسيا جاء نتيجة انتشار الإسلام، حيث باتت الهند جزءاً من عالم ذي ثقافة إسلامية، حيث وصل إلى دلهي مبعوثون عن الخلافة العباسية، ومبعوثون عن مصر أيام محمد بن دقلق، وفي فترة لاحقة لذلك أرسل المغول بعثات إلى الهند.
وحسب الباحث فإنه في تلك الفترة انتشرت الطرق الصوفية في الهند، حيث كانت الهند تستقبل العلماء في وقت كانت فيه أيضا متعطشة لمعرفة الكثير عن الدين الإسلامي، والرؤية الأخرى لتفسير الإسلام. وكان التصوف في تلك الفترة هو والعلوم الإسلامية مجالا خصبا للدراسات الأمر الذي بدا معه أن الهنود ساهموا في تطور العلوم الإسلامية. وفي هذا السياق تحدث روبنسون عن أحمد سندي الذي تأثر كثيرا بابن عربي وربما طور بعضا من نظرياته في كتابه «المخطوطات» الذي هدف من ورائه حسب روبنسون تصحيح الصورة النمطية للدين في ذلك العصر.
كما تحدث روبنسون عن الحقبة البريطانية وعلاقاتها مع غرب وجنوب آسيا، وتحدث خلال ذلك عن التنافس البريطاني الفرنسي لبسط النفوذ في تلك المنطقة. كما تحدث عن دخول النفوذ الروسي على الخط قبل أن تبدأ بريطانيا بدعم أفغانستان لتحجيم النفوذ الروسي.
وفي المجمل كانت الورقة تركز على التأثير المتبادل بين غرب آسيا وجنوبها، وامتداد الأفق الأمني لجنوب آسيا إلى غربها، وتحول التأثير على مسلمي جنوب آسيا من التأثير الفارسي الذي كان يبسط نفوذه إلى التأثير العربي في المقام الأول؛ علاوة على التغيير الكبير الذي بدأ في القرن الثامن عشر الميلادي والمتمثل بتحول جنوب آسيا من مستقبل للمؤثرات الحضارية من غرب آسيا إلى مصدر لها.
وعلى خلفية الورقة التي قدمها روبنسون جرت الكثير من النقاشات حول مضمون الورقة التي حاولت ان تتناول بكثير من العمق الفترة الزمنية التي تناولها الباحث في ورقته ومدى الدور العربي في التأثير في تلك الفترة والتي كان رد الباحث عليها أنه لا يمكن من خلال ورقة صغيرة أن يجمل الدور الذي لعبه العرب في التأثير على مجريات الأحداث خلال تلك الفترة مؤكدا أن استبدال النفوذ الفارسي والمغولي في منطقة غرب وجنوب آسيا استبدل بنفوذ عربي ولم يكن النفوذ في مجال واحد بل كان في العديد من مجالات الحياة.
وردا على سؤال حول مدى قدرة زمالة السلطان قابوس بن سعيد في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، قال روبنسون لا شك أن الكرسي يقول بالكثير من ذلك، فأنا أدرس وأثقف طلابي، وأحاول أن اجعل طلابي يصغون إلى ما قاله المسلمون، وليس إلى ما يسمعونه عنهم، وهذا أمر جوهري، كما أحاول أن أدفع الجميع لقراءة ما كتبه المسلمون شعرا ونثرا لتطوير نوع من الاحترام للمصادر الإسلامية، كما أكد أن ذلك يتحقق أيضا من «خلال الكتب التي أؤلفها والتي أدعو فيها إلى الإصغاء بهدوء إلى الأفكار الإسلامية وإفساح الطريق لها».
يذكر أن زمالة سلطان عمان، مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد قد أنشئ في العام 2004 بهدف تعزيز روح السلام والتعاون الدوليين، من خلال تعزيز فهم المجتمعات المختلفة للعالم الإسلامي، وفي هذا السياق يمكن القول إن الدكتور فرانسيس روبنسون، الرئيس الحالي للزمالة، رائدا في تاريخ المجتمعات المسلمة في جنوب شرق آسيا. ويركز في بحوثه على بروز العالم الإسلامي المعاصر موليا اهتماما خاصا بالتعليم، والإصلاح، والسلطة الدينية للمرأة في الإسلام. ومنذ تعيينه رئيسا للزمالة عام 2008 شارك في ثلاثة مشروعات بحثية هي استكمال كتابة وتحرير كتاب «الإسلام المعاصر في جنوب آسيا» والمجلد الخامس من كتاب «تاريخ كامبرج الجديد للإسلام» والتحضير لكتاب عن الإسلام في جنوب آسيا المعاصرة.
المناقشات
وخلال المناقشات سأل أحد الحضور حول تعريف الانتقاد والفصل بينه وبين الفضيلة حيث قال الدكتور برجير إن الانتقاد هو إي شيء يقوله لك أحدهم ويناقض أقوالك وأفعالك، واقترح لحل المعضلة ان توضع المشاعر جانبا ومعرفة أسباب الانتقاد.
وفي مناقشة أخرى حول الكرامة والتسامح وما يجمعهما، قال إن الكرامة تجعل المرء يتقوقع لا يتقدم! بحيث تجعل المرء في حالة دفاع وعلى المرء تحرير نفسه من موقف الدفاع عن الكرامة للحفاظ عليها على المدى الأطول، موضحا أن التسامح يجعلنا في موضع الحل وعلينا التمسك بها بعكس الكرامة التي تقوقعنا!!.
وحول الديمقراطية التي يطالب الغرب بنشرها وممارستها للتسامح فقال إن علينا ملاحظة أن النتيجة والسيئات في النظام الديمقراطي هو أن الجميع يستطيع أن يتكلم بأعلى صوته، ويعبر عن مكنونات قلبه.
يذكر أن كرسي سلطان عمان للدراسات الشرقية بجامعة لايدن بهولندا يهدف إلى توسيع نطاق البحث والتدريس في مجال الدراسات الشرقية، وخاصة في مجالات التاريخ والثقافة والحضارة والحياة المعاصرة، وتقع على عاتق الأستاذ الدكتور موريتس برجير أستاذ الكرسي مسؤولية برنامجي بكالوريوس وماجستير أصول الدين الإسلامي في جامعة لايدن واللذين تم إنشاؤهما بعد وقت قصير من تلقي الهبة.
والأستاذ الدكتور برجير هو محام ومستعرب وأستاذ لدراسات الإسلام وباحثا في معهد كلينغنديل للعلاقات الدولية في لاهاي وقد خدما قاضيا في محكمة لاهاي المحلية، كما تعد الشريعة الإسلامية والإسلام السياسي وحرية الدين من أبرز اهتماماته وهو يبحث حاليا في تأثير الشريعة الإسلامية على البلدان الغربية. وغيرها من الأنشطة.
ومن الجدير ذكره أن جامعة لايدن تعد من أعرق وأقدم جامعات هولندا وقد تأسست في عام 1575م كهدية من الأمير وليام حاكم مدينة أورانج بعد أن دافع المواطنون ببسالة عن المدينة في وجه الهجمات الاسبانية. وتتكون الجامعة من ست كليات وأكثر من خمسين مركزا بحثيا وكلية للدراسات العليا وتوفر مائة وخمسين برنامجا للدراسات العليا، وقد صنفت مؤخرا ضمن أفضل 200 مؤسسة تعليمية في التصنيف العالمي للجامعات.
بيرجر: علينا أن نميز بين التسامح كقانون وباعتباره فضيلة
عرض الأستاذ الدكتور موريتس بيرجر ــ أستاذ كرسي سلطان عمان للدراسات الشرقية بجامعة لايدن في هولندا حيث قدم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في عام 2008م هبة لإنشاء كرسي الدراسات الشرقية في كلية اللاهوت في جامعة لايدن إيمانا من جلالته حفظه الله ورعاه بأن البحث والدراسة شرطان أساسيان لتحقيق تعزيز الحوار بين الحضارات والشعوب ـ يعرض في ورقته بعنوان (التسامح قاعدة أم فضيلة؟) لدعوة المجتمع الدولي للتسامح من أجل القضاء على موجة التوترات الدينية التي تعكر صفو العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.
وأكد بيرجر أن التسامح بلا شك غاية نبيلة في عالم تسوده العولمة، والعالم بحاجة ماسة له للقضاء على التوترات الدينية، وأشار إلى أن مفهوم التسامح بحاجة إلى مزيد من التحليل والتوضيح لا سيما عند استخدامه في سياقات متعددة اللغات أو الجنسيات او الطوائف لأن الناس قد يؤولونه بأشكال مختلفة.
وتناول الأستاذ الدكتور بيرجر مفهوم التسامح من وجهتي نظر العامة والفردية ومن وجهة النظر الغربية والأخرى الإسلامية، وأشار إلى أنه فضيلة سامية عند الحديث عن حل النزاعات الدولية وكقانون كما تحدده الممارسات الاجتماعية أو القانونية.
وعرف التسامح بأنه أمر تحمل والتعامل مع شيء لا توافق عليه وهو يشمل المعتقدات الراسخة. وأوضح أن التسامح مسألة ثقافية بشكل كبير، فالتسامح في أيام الفتوحات الإسلامية كان واقع حياة حيث ترك المسلمون أهل البلاد التي يأتون إليها على دينهم مقابل دفعهم ضريبة معينة (الجزية)، حيث كانت العملية التسامحية تدخل في نظام معين (نظام الذمة) وفي تلك الفترة كان في أوروبا غير المسيحيين ينفون أو يقتلون حتى تطورت المسألة في الغرب حتى اعتبروا التسامح كمبدأ حرية فردية، مشيرا إلى أن ممارسة التسامح في الإسلام كانت جماعية، بينما في الغرب هي الحرية الفردية فالإسلام يقول بالحرية الجماعية، والغرب ينادي بالحرية الفردية، فكانت لدى الطرفين نوايا متوازية أوصلتهما إلى الصراع بينهما، وأشار إلى أنه في الغرب للفرد الحق في اختيار مجتمعه ودينه بينما في الإسلام حسب المولد بدون اختيار، فالدين هو الذي يحدد هوية المؤمن لذا علينا أن نحمي الدين لذا صار الدين محميا.
أما في الغرب فقانونيا الدين شيء مجرد والحماية تنصب على الفرد لا الدين، مشيرا إلى ضرورة التمييز بين الممارسات الاجتماعية للتسامح والأخرى القانونية حتى يصبح جزءا من قيمنا ويساعدنا على تمييزنا عن غيرنا.
وأشار إلى أن المسألة الأساسية الحالية في الخلاف تعود الى الانتقاد فالأمر لا يتعلق فقط بقبول الفوارق اذ الامر سيكون مقاربة سلبية حتى لا نقبل الانتقاء الذي سيطال أمورا نعتبرها ِأساسية، موضحا أن الانتقاد ضروري لاننا نعيش في عالم متداخل ومتواصل فيما بينه.
واوضح الدكتور بيرجر أن من يتعرض للانتقاد عليه تخطيه ويركز على أسبابه وجذوره بدل الغضب والنزاع.
وعرض الدكتور بيرجر إلى لمحة تاريخية موجزة عن الممارسات القانونية والاجتماعية للتسامح في المجتمعات الغربية والإسلامية مبينا كيف ان المسلمين والمجتمعات الأوروبية كانت لهم تجارب مختلفة جدا في التسامح مع الأديان الأخرى، ومن ثم طورت مفاهيم مختلفة لهذا المفهوم. وأشار إلى أنه نتيجة لذلك فعلى الرغم من أن لمصطلح التسامح الديني نفس المعنى في السياقين إلا انه طبق بشكل مختلف تماما في كليهما، ومن المؤسف أن هذه الفروق قد أصبحت السمة المميزة للطرفين مما حدا بكليهما إلى ادعاء التسامح ورمي الطرف الآخر بعدم التسامح.
وأضاف: إن هذا الواقع المؤسف يتعارض مع الدعوة للجوء إلى التسامح كحل للنزاعات الدولية، فهذه الدعوة تؤكد على اعتبار التسامح المعيار الدولي للتحضر وعلى اعتباره فضيلة، وبالتالي فإن التسامح من هذا المنظور يختلف تماما عن التسامح كقانون تحكمه الممارسات الاجتماعية والقانونية.
وأوضح الدكتور برجير أن المجتمع الدولي يدعو للتسامح للقضاء على موجة التوترات الدينية التي تعكر صفو العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامية، وأن الكثير من المسلمين يعتبرون الانتقادات الغربية المتزايدة للإسلام أصبحت تتخذ أشكالا مسيئة ومهينة، كما يتبين من حادثة الرسوم الدنماركية في عام 2006م وغيرها من المبادرات، موضحا ان الغربيين يفسرون زيادة التطرف بين الأفراد والمنظمات الإسلامية في العالمين الغربي والإسلامي باعتباره تهديدا ينبع من الإسلام نفسه، موضحا ان هذا يبرر الانتقادات الحادة التي توجه للإسلام في الغرب.
وأكد أن هذه النظرة تجافي الحقيقة وهي في حقيقتها ليست إلا أفكارا تلعب المفاهيم والصور النمطية عن الآخر دورا بالغ الأهمية في تكوينه وبالرغم من ذلك فإن المحصلة النهائية ليست سوى مزيد من الكراهية وانعدام الثقة بين الطرفين وهذا كما يقر الكثيرون إحدى المشاكل الرئيسية التي توتر العلاقات بين المسلمين والغرب.
واقترح الدكتور مريتس بيرجر كما اقترحه غيره أن التسامح هو الحل لذلك اذ التسامح مما لا شك فيه غاية نبيلة إلا انه مفهوم بحاجة الى المزيد من التحليل والتوضيح ولا سيما عند استخدامه في سياقات متعددة اللغات أو متعددة الجنسيات والطوائف فهل يعني هذا المصطلح الشيء نفسه بالنسبة للناس جميعا؟ كما أنه هل يعكس في حد ذاته ما يريده الناس.
اللغة العربية ولو في الصين
الورقة الثانية كانت حول اللغة العربية في الصين، قدمها الأستاذ الدكتور شيه زهيرونج (عبدالمجيد) أستاذ كرسي السلطان قابوس لدراسات اللغة العربية في جامعة بكين بالصين، استعرض فيها كيف حافظت التجارة والدين على بقاء العربية حية خارج حدود البلدان العربية.
حيث ترجع علاقات الصداقة بين الصين وبلاد العرب إلى ما قبل ألفي سنة، فقد ورد في السجلات الصينية القديمة أن المبعوث الصيني «قاوين» وصل إلى البلاد العربية في عام 97م، وقال إن عمان تقع على مسافة 3 آلاف و400 ميل صيني، ثم جاء وفد من بلاد العرب إلى العاصمة الصينية تشانعآن في عام 120م، فضلا عن الرحلات التجارية التي كانت تجري عبر طريقي الحرير البري والبحري، فليس من المستبعد أن تكون اللغة العربية هي وسيلة التفاهم بينهم.
وأشار إلى أن اللغة العربية تعد من أقدم اللغات الأجنبية التي عرفتها الصين، حيث بدأت تستعمل في عصر أسرتي تانغ وسونغ (القرن 7 وحتى 13)، خاصة مع توسع الدولة الإسلامية وامتداد حدودها إلى حدود الصين، حيث كانت كلتا الحضارتين في قمة ازدهارهما، وأكثر انفتاحا على العالم، وتم توثيق العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
ففي عام 651م استقبل البلاط الصيني أول مبعوث سياسي من الإمبراطورية العربية في زمن الخليفة عثمان بن عفان، واعتبر هذا بداية دخول الإسلام إلى الصين، بعدها توالت الوفود العربية إلى البلاط الصيني، وكان العرب يفدون إلى الصين بكثرة في تلك الأيام، ويقطنون بالقرب من الموانئ، ويرجح البعض أن «السندباد البحري» زار الصين في تلك الفترة.
وقال: وتخليدا لذكرى السندباد البحري، قام العمانيون بصنع سفينة على النمط القديم، أطلق عليها اسم «صحار»، وأبحرت من مسقط مسافة أكثر من 5 آلاف ميل بحري في خلال 7 أشهر، ووصلت إلى مدينة كوانتون.
وفي المقابل سافر كثير من الصينيين إلى بلاد العرب إما للتجارة أو للدراسة، فقد ذكر الرازي أن رجلا صينيا أقام لديه لمدة عام، واستطاع إتقان اللغة العربية في 5 أشهر.
ثم انتشرت اللغة العربية بصورة واسعة خلال فترة أسرة يوان المنغولية كلغة للجاليات العربية، وبين من تعلموا شيئا من العربية من الصينيين نتيجة الاختلاط بسبب المصاهرة أو التجارة، وكان في الجيش مترجمون من أبناء الصين.
حيث قدم إلى الصين عدد كبير من أهالي البلاد التي فتحها المغول في آسيا وأوروبا، وكان أكثرهم من المسلمين العرب والفرس والترك، الذين يخدمون في الجيش المغولي، وكان المغول يسمونهم «هوي هوي»، واستوطن بعضهم مع عائلاتهم في الصين، وشغل بعضهم مناصب حكومية، ثم انتشروا في قرى ومدن الصين، وكانوا يقيمون غالبا في أحياء وقرى خاصة بهم، وينشئون بها مدارس، ومساجد بعضها باق إلى الآن.
وأيضا تم إنشاء معهد «هوي هوي» في بكين، وكان لأبناء كبار الموظفين والأغنياء ليكونوا مترجمين للغة العربية باعتبارها من أهم اللغات في ذلك الحين، وكانت لغة العلم لكثير من العلوم كالفلك والصيدلة وغيرها، ويوجد حاليا في مكتبة الصين كتاب عبارة عن موسوعة طبية، مطبوع في أوائل فترة أسرة يوان، ولكن تبقى منه 4 أجزاء فقط.
وأضاف الأستاذ الدكتور شيه زهيرونج: وفي عصر أسرتي مينغ وشينغ (القرن 14) وحتى أوائل القرن الماضي) بدأ الحال يتغير بالتدريج، وأصبحت العربية تستعمل كلغة دين فقط في المساجد، ولم تعد لغة جاليات أو لغة علم، بسبب عملية «تصيين» ذرية المسلمين، فأصبحوا بالتدريج يتكلمون اللغة الصينية، وكذلك ضعف التبادل التجاري والثقافي بين الصين والعرب.
ولكن استمر نظام التعليم الجوامعي في المساجد حتى منتصف القرن الماضي، حيث توجد مخطوطات تاريخية يرجع تاريخها إلى ما قبل آلاف السنوات، حول أحكام الدين وتفسير القرآن الكريم والرحلات.
وتابع موضحا: أما في الصين الحديثة فقد أنشئت مدارس إسلامية أرسلت بعثات طلابية إلى الأزهر، وعمل بعض خريجي هذه المعاهد أئمة في المساجد، وبعضهم في الجامعات والمعاهد الإسلامية لتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي.
وفي عام 1964م انشأ الأستاذ محمد مكين، وهو أحد الطلاب الذين درسوا بالأزهر، قسما للغة العربية في جامعة بكين، ثم تم إنشاء أقسام للغة العربية في 6 في جامعات أخرى، وقد وصل عددها الآن إلى 20 قسما، 7 منها تمنح درجة الماجستير، و3 الدكتوراة.
وفي عام 1955م أنشأت الجمعية الإسلامية الصينية معهد العلوم الإسلامية، وقامت بعدها الجمعيات الإسلامية المحلية بإنشاء 9 معاهد إسلامية، ويستقبل كل معهد حوالي 40 طالبا، وتركز على 3 مجالات وهي العلوم الدينية، واللغة العربية، والمعارف الثقافية.
وقال: كما تم إنشاء المدارس العربية الحكومية والخاصة، في المناطق التي يتركز فيها المسلمون، وفي ثمانينات القرن الماضي تم إنشاء جمعية دراسة وتدريس اللغة العربية، وكذلك أنشئت جمعية بحوث الأدب العربي الصيني، حيث لقيت قضية تعليم العربية اهتماما بالغا من قبل الحكومة، كما لقيت مساعدات قيمة من قبل الحكومات والمؤسسات العربية، فشهدت تطورا لا مثيل له، خاصة في مجالات التأليف والبحث العلمي والترجمة والنشر، إضافة إلى كتب ومجلة وإذاعة وقناة تلفزيونية بالعربية، مما ساهم في زيادة معرفة أبناء الشعب الصيني عن بلاد العرب والثقافة العربية.
بعدها تم فتح باب المناقشات للحضور، حيث أشار أحد الحضور أنه بالرغم من ذكر المحاضر عن وجود ضعف في التبادل التجاري والثقافي في عهد اسرة مينغ، لكن الرحالة الصيني شينجاي قام برحلتين إلى عمان في تلك الفترة، وكان هناك تبادل تجاري مع عمان وشرق أفريقيا وآسيا؟
فأوضح الأستاذ الدكتور شيه زهيرونج أنه بالرغم من ضعف العلاقات السياسية والثقافية والتجارية، كانت هناك رحلات قام بها بعض الرحالة، لكن أسرة مينغ وتشين بدأوا في تطبيق سياسة الانغلاق، مما أدى إلى حدوث عوائق في التجارة، كما كانت البلاد العربية قد فقدت ازدهارها وضعفت، إلا أن تعليم اللغة العربية في الصين كان مستمرا بسبب وجود جاليات عربية فيها.
ثم سأل راشد الحسيني من كلية العلوم التطبيقية في نزوى عن مدى حضور الهوية العمانية في كراسي جلالة السلطان لدراسات اللغة العربية في جامعة بكين؟
فأشار المحاضر إلى أن وجود الكرسي يعطي دفعة قوية من الجانب العماني لتعليم اللغة العربية في الجامعة، ودور الكرسي لا يقتصر على جامعة بكين فقط، وأتمنى أن يتوسع إلى تعليم اللغة العربية في الصين.
أحد الحضور استفسر عن عدد الطلاب الذين يدرسون في قسم اللغة العربية، فرد عليه المحاضر موضحا أن القسم يقبل سنويا من 15-20 طالبا، وبضع طلاب للدراسات العليا كالماجستير والدكتوراة، وهذا العدد قليل بالنسبة للأقسام الأخرى، كما أن هناك في القسم معمل لغة متقدم جدا، وأيضا قنوات خارجية.
وتساءل سيف من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع عن دور العرب في توطين اللغة العربية في الصين، فرد عليه المحاضر بأن تعليم اللغة العربية لقي مساعدات من قبل المؤسسات والحكومات العربية، وهناك كتب مهداة من الطرف العربي.
وكان سؤال سعيد العيسائي من كلية العلوم التطبيقية بصحار عن معنى كلمة «هوي هوي»، وهل كانت اللغة العربية هي حلقة الوصل بين التجار العرب والصينيين، أم كان هناك مترجمون؟
فرد عليه المحاضر بأن كلمة «هوي هوي» فهي كلمة أطلقها المغول على أبناء الجالية الإسلامية، ولا أدري معناها في اللفظ المغولي، أما بالنسبة للغة المستخدمة بين التجار، فإنه حسب ما جاء في المصادر التاريخية، نجد ذكر كلمة «قال المترجم»، ولكن كان هناك من العرب من كان يدرس الصينية، وأيضا العكس