صنع العلم، حاول جاهدا أن يكون العلم بحجم حبه لوطنه ولسلطانه، ذرع أطواله فوجد أن لا طول يمكن أن يطاول حبه لبلده، حاول مع «الخياط» لكن هذا الأخير قال له «حبك أطول من أن أستطيع حياكته وخياطته على قطعة قماش. أخذ ما استطاعه الخياط ولكنه لم يجد له المكان المناسب لنشره، بحث فلم يجد إلا رمال بوشر ينشر فوقها علمه ليكون العلم مطلا على كل العابرين في الطريق السريع وليكون مطلا على بوشر والخوير.. نشره وجلس بجانبه يرقب العيون التي ترنو إليه.
مشهد 2
خرج رجل ستيني بعد أن استمع إلى بيان عودة جلالة السلطان يركض في فناء بيته، لا يعرف كيف يعبر عن فرحته، يبكي يضحك، يركض، يعانق زوجته، ثم يعانق ابنه، وأحفاده.. وفجأة بدأ في نحر جمله الوحيد صدقة وتقربا إلى الله. ثم قال ودموع الفرح تتساقط من عينيه جيلنا يعرفون قيمة هذا السلطان أكثر من غيرهم.. عشنا معه ساعات البناء لحظة بلحظة، شاهدناه يفتتح أول مدرسة، وأول مركز صحي، وأول شارع، وكنا في الجوار وهو يضع حجر الأساس للمشاريع التي صنعت مستقبل عمان، ورأينا كيف كان يزور الفصول الدراسية فصلا فصلا، ويناقش الطلاب ويوجه المعلمين. هذه الأيام التي تبتسم بها عُمان كانت من صناعته، من صناعته بالمعنى الحرفي للكلمة.. وقف معهم طلابا في المدارس، ثم ناقشهم طلابا في الجامعة. هذه النهضة التي تعيشها عُمان وقف عليها طوبة طوبة، وخطط لها وعايش تحدياته بنفسه.. هذا هو السلطان الذي نرى فيه اليوم كل فخرنا وكل أمجادنا، نرى فيه ما نفتخر به في عُمان.
مشهد 3
توشحت ريم بوشاح عُمان، علم وصورة القائد، نظرت من النافذة فلم تر الحافلة، قالت لأمها تأخر الباص.. تعدلت من وضع وشاحها وبحث في مقتنياتها عن علم آخر ووشاح آخر لتعطيه صديقتها «مريم»، قالت مرة أخرى تأخر الباص، فردت أمها لم يتأخر، ما زال هناك وقت طويل. أيقظت ريم والدها وقال: تأخر الباص، أريد أن أصل إلى ساحة الطابور قبل زميلاتي حتى لا يفوتني النشيد السلطاني. والمعلمة قالت لنا لا بد أن نقرأ النشيد يوم يعود «بابا قابوس» بصوت عال حتى يسمعنا ونحن نقول «أبشري قابوس جاء.. فلتباركه السماء».
رضخ الأب ودمعة تخرج من عينيه لطلب ابنته وذهب بها للمدرسة قبل موعد الباص ليجد العشرات من الطالبات استبقن الموعد حتى لا تفتهن اللحظة التاريخية للنشيد السلطاني، فللنشيد اليوم طعم آخر لن يدركه إلا من وقف في طابور الصباح وأنشد «أبشري قابوس جاء».
مشهد 4
لم يجد الأطفال مسيرة على شاطئ مطرح، ساروا ذهابا وإيابا، بدا المشهد عاديا إلا من بعض السيارات الناشرة للأعلام، وبعض الأجانب الذين يترقبون لمشاهد الاحتفال، عرفوا لاحقا أن المسيرة الكبرى في مكان آخر، وأن دور مسيرة الشاطئ غدا «اليوم» حزن الأطفال على تضارب المواعيد، جاءوا إلى مطرح فيما كان عليهم أن يذهبوا إلى أمام بيت البركة العامر.. لكن المشهد لم يمر دون احتفال من نوع آخر، وزع الأطفال الأعلام على المارة، وفجأة جاء أطفال آخرون ووزعوا الورود في المكان فاكتمل المشهد من أعلام وأوشحة وورود حمراء وشاطئ ينثر الدفء والطمأنينة على عمان من أقصاها إلى أقصاها.
مشهد 5
في قرية عمانية عالقة في سفح جبال الحجر الغربي لم تعرف «عائشة» كيف تعبر عن فرحتها برؤية جلالة السلطان، فكرت منذ الليل ماذا تفعل في الصباح، فكرت وهي تصيخ السمع لأصوات الديكة وهي تؤذن للفجر، ولصوت الفجر الذي أتقنت الإصغاء له طويلا.. في الصباح كانت تصنع خبز «الرخال» ثم تدهنه بعسل النحل الذي جلبه «أبو العيال» من جبال الحجر الغربي ثم توزعه على الأولاد والبنات وهم يستعدون لركوب الباص متجهين للمدرسة. فرحت «عائشة» وذرفت دموع الفرح وقالت في نفسها «ساهمت في الفرحة ولو بالقليل».
عاصم الشيدي – جريدة عمان
25 مارس 2015