احتفلت سلطنة عُمان الشقيقة مؤخراً بعيدها الوطني, في أجواء من الإستقرار والسلام, الذي أحرزه شعبها بتضحيات كبيرة على مساحة 37 عاما من النضال والعمل في سوح المعارك, من أجل الحرية والاستقلال والبناء الوطني الشامل, وقد شهدت السلطنة خلال هذه الفترة القصيرة من عمر التاريخ والانسان, تحولات كبيرة, يندر حدوثها بهذه السرعة في بلد اخر.
لا أزال أذكر سنة سبعين وأوائل السبعينيات, وما بعدها, حين قام الشعب العماني, بقيادة قائده السلطان قابوس بن سعيد, بقفزة كبيرة في الأقاليم النائية من الوطن, بعد ان خاطب جلالته شعبه, بكلمات واثقة تميّزت بدلالات كبيرة, خرجت من قلبه المحب لناسه لتسكن في قلوبهم الطيبة, فكان العفو, وكانت الإنطلاقة الكبرى التي لم تحدها حدود, وكان التقدم السريع الذي تلاه ازدهار وثمار يانعة تتواصل الى اليوم.
كان السلطان, ولا يزال, يلتصق بقضايا شعبه الى اللحظة, وهي السياسة التي يتميز بها, وفي سبيل تجذيرها, راح السلطان يجترح الممارسات الشعبية الجديدة, ليكون منغمساً في قضايا البسطاء يومياً, فكانت الجولات السلطانية الشهيرة, المنفردة أو الجماعية, التي يجوب خلالها السلطان بقاع السلطنة إبتداءً من السواحل الطويلة, والى أعماق الصحراء, حيث الشمس اللاهبة والرمال الحارة, وصعوبة الحياة, ويمضي فيها أياماً طوال, يتلمس خلالها احتياجات ومطالب ناسه, ويتناقش معهم في أمور البلاد والعباد بلا حواجز أو معيقات, ويعيش وإياهم ببساطة, في مضاربهم, وتحت اشعة الشمس اللاهبة, وهو واحدٌ منهم ولهم لا يميزه عنهم شيء سوى المسؤوليات الأبوية الكبيرة, التي تنتظره كل لحظة, ليعطي من خلالها المِثال والقُدوة على الدوام.
بلا شك, تعتبر الجولات السلطانية السنوية قناة مبتكرة في عالم اليوم, وإن كانت , كما أرى, شكلاً جديداً وعصرياً ومطوراً من ديمقراطية العالم القديم, تتقاطع معه في الأساسيات, وتستمد أركانها من ديمقراطية المدن- الدول العريقة, حيث كان القائد يدعو شعبه للتشاور المباشر دون وجل أو حواجز أمنية أو إجتماعية أو غيرها, لمناقشة الهموم واتخاذ القرارات المدعومة شعبياً.
إن لقاءات السلطان المباشرة مع مواطنيه تضج بالمعاني الكبيرة, فهي إذ تشعر المواطن بقدرته على الحديث بتلقائية وعفوية مع قائده, وعرض ما يجول في خاطره دون تدخل بيروقراطي أو مزاجي, أو تأثير خارجي, تفتح المجال رحباً لحوارات متبادلة حول الأولويات الوطنية في شتى الحقول, ما يعزّز مسيرة التنمية, ويمنح¯ها دوماً المزيد من وضوح الرؤية والفعالية والقدرة على تحقيق حشد إضافي للطاقات في الأُطر التنظيمية والجماهيرية الواسعة.
مروان سوداح – جريدة دار الحياة الأسبوعية
التاريخ: 29/11/2007
العدد رقم: 133