جريدة عمان
1 نوفمبر 1986
بصراحة عُمانية تميز بها جلالته – حفظه الله – سبر أغوار القضايا وتعمق في أسبابها ومسبباتها وعبر عنها بوضوح عماني معهود فيه .. فكانت إجابات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم التي تفضل بها في الرد على أسئلة الأستاذ عبدالله النويس وكيل وزارة الإعلام والثقافة ورئيس تحرير صحيفة (الاتحاد) الظبيانية التي تنشرها اليوم بالاتفاق مع صحيفة ( عُمان) كانت إجابات حافلة برؤية ثاقبة وكأنها تنظر للغيب من وراء ستار.. وما يهمنا على المستوى العُماني في هذه الإجابات هو فيما تكشفه من جوانب التفكير السامي لإضافة لبنات على صرح العطاء القابوسي الفياض لعُمان الأرض والإنسان. وما يهمنا فيها خليجا ما تؤكده هذه الإجابات من تنامي الإسهام العُماني في المسيرة الخليجية المباركة.
وفيما يلي نص الحديث الذي تفضل به جلالته:
الاتحاد: إن العلاقات بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت نموذجا يُحتذى به بفضل التشاور المستمر بين جلالتكم وصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. فكيف ترون جلاتكم الوصول بهذه العلاقات المميزة إلى آفاق أرحب؟
جلالة السلطان قابوس: لا شك أن العلاقات بيننا على مستوى القيادة هيأنا كل الظروف والسبل زنعمل على أن تعمل على كل شيء هي تبدأ بوضع الأسس.. وتضع الناس على الطريق . والآن على الهيئات الحكومية وعلى الأفراد أن يرتبطوا ببعضهم البعض وأعتقد أن هذا هو الذي سوف يحدث.
الاتحاد: يا صاحب الجلالة.. جاء قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية تتويجا لمسيرة موصولة من التعاون والعلاقات بين دول المنطقة وشعوبها.. فيما هي المكاسب التي حققها المجلس تأكيداً لهذا الواقع؟ وما هي أبرز الإنجازات التي ترون أن المجلس قد حققها خلال مسيرته تأكيداً أيضا لهذا الواقع؟
جلالة السلطان قابوس: أعتقد أن هذا السؤال ذو شقين ، ويمكن الجواب عليه في قالب واحد قد يفي بالغرض.. إن الحقيقة التي يجب التركيز عليها هي أنه صحيح في الماضي ومن قبل المجلس كانت شعوب المنطقة بينها تشاور وبينها مصالح مشتركة ، ولكن أهم شيء في قيام مجلس التعاون استطاع أن ينجزه حقيقةً هو الإنجاز الكبير الذي أعتبره إنجازا.. إننا الآن ننظر إلى الأشياء بمنظار مشترك.. ننظر إلى الأمور مع بعض بدلا من أن نقوم بها فُرادى أو على الصعيد الثنائي.. وهذا أهم ركائز مجلس التعاون . ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفكر بالطرق الصحيحة ثم ننظر إلى الأمور نظرة مشتركة ونقوم الأشياء من جميع جوانبها وأن نكون واقعيين. حقيقةً الآن أستطيع أن أقول: إن نظرتنا لمجلس التعاون نقومها من منطلق الواقع ومن منطلق المصلحة المشتركة. ومن المصلحة المشتركة ما في شك هي أخذ وعطاء.. وأن تكون دائما مرتكزة على الواقعية والمصداقية . وقبل كل شيءإننا أخوة قبل أن يضمنا مجلس التعاون. أعود وأقول إن نظرتنا للأمور نظرة مشتركة وتقويمنا للأمور تقويم مشترك، وهما من أهم إنجازات مجلس التعاون..
الاتحاد: يا صاحب الجلالة.. بعد أيام نستقبلكم وإخوانكم وأبناؤكم في دولة الإمارات، حيث تُعقد القمة السابعة لدول مجلس التعاون.. فما هي توقعات جلالتكم لأهمية هذا القمة في الظروف التي تنعقد فيها وفي ضوء الموضوعات التي ستتدارسها؟
جلالة السلطان قابوس: لاشك أن كل قمة تجد نفسها تبحث أمورا موضوعة على جداول أعمالها، وأعتقد أنه من الأهمية بمكان أننا سوف نواصل المسيرة وأعتقد هذه يجب أن تكون في الأولويات لقاعدة الجدول العام، ومن هذا المنطلق لاشك أننا سنرى ماهي الأولويات التي يجب أن نركز عليها.
الاتحاد: صاحب الجلالة.. يتعاظم دور مجلس التعاون السياسي والاقتصادي على الأصعدة الإقليمية والدولية.. ما هو تقويم جلالتكم لهذا الدور؟
جلالة السلطان قابوس: لا شك أن دول مجلس التعاون تقع في بقعة من الأرض الاستراتيجية بالنسبة لبقاع العالم سواء الغربية منها أو الشرقية، البعيدة منها من المنطقة أو القريبة .. من هذا المنطلق لابد لمجلس التعاون أن يكون ذا أهمية. وإذا ما استطعنا أن نكسب احترام الآخرين واحترام العالم يكون ذلك جيدا في تصوري.
الاتحاد: صاحب الجلالة.. في ظل التهديد المستمر الذي تتعرض له صادرات أقطار مجلس التعاون من النفط عبر الخليج.. هل أعدت أقطار المجلس خططا محددة لمواجهة هذا التهديد، أو استخدام القوة المسلحة لحماية سفنها وناقلاتها النفطية؟
جلالة السطان قابوس: من الممكن أن أجاوب على هذا السؤال بجوابين، الجواب الأول: أنه قدر المستطاع لا شك أن مجلس التعاون أو دول مجلس التعاون لديها تصور لمثل هذه الإجراءات عند الضرورة. وهذا أمر بديهي، كما أن مثل هذه الخطط لا بد منها. ولا شك أن هذا الشيء لابد منه. ولكن الجواب من ناحية أخرى ، نحن على اتفاق مع مجلس التعاون على أنه كلما جد جديد تشاورنا بخصوصه وأعتقد أنه لكل حدث حديث. سنقوم كل مشكلة منفردة، ونرى كيف يمكن أن نعالجها سواء إن كان بالطرق السياسية أو بغيرها.
الاتحاد: صاحب الجلالة.. لقد حققت سلطنة عُمان بقيادتكم وتوجيهاتكم الحكيمة خلال فترة وجيزة نهضة عصرية شامبة وتم تنفيذ خطتين خكمسيتين للتنمية بنجاح.. ماهي خططكم المستقبلية لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار؟
جلالة السلطان قابوس: أولا أحمد الله – سبحانه وتعالى – ولا شك أن التنمية في أي بلد هي عطاء من الله لسكان ذلك أجمعين.. وهذا سؤال جيد، وكما تعلم فإن أهم مقومات التنمية اقتصاد سليم وبنية سليمة واقتصاد متنوع لا يعتمد على مصدر واحد بل عدة مصادر ونحن كنا وازلنا إلى حد بعيد كان مصدر التنمية بشكل رئيسي في عُمان هو النفط.. وأستطيع أن أقول إن الخطة الخمسية التي انتهت ترضينا عندما ننظر إليها .. إنها بداية لا ترضينا بحد ذاتها كطموح، ولكن ترضينا عندما ننظر إليها كبداية. طالما عرفنا كيف نحققها، لأن كل شيء لابد له من بداية، وهذه البداية معناها أن الدخل القومي المدعوم من الأشياء الأخرى؛ إن كان ذلك المصنع الكبير أو المصانع الصغيرة أو إن كان من الثروات الأخرى المتاحة مثل الثروة السمكية، أو الثروة الزراعية. كل هذا ينتج ويساند الدخل القومي ولو مساهمة متواضعة ولكنها بداية كما قلت وهذا هو المهم. معنى هذا أننا بدأنا نشعر أن هناك بدائل وإن هذه البدائل بدأت تظهر وبدأت تؤتي ثمارها بدلا من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد.
ومن هذا المنطلق أود أن أقول إن الثروة السمكية وأن أقدم دائما الثروة السمكية لأنها الأهم، ولا شك هي الثروة التي أرى أنها سوف تكون البديل الأكبر والمساعد والرافد للدخل القومي في الوقت الحاضر وهذا يتطلبمما لا شك جهودا كبيرة.. ويتطلب نظرية علمية ودقيقة لاستغلال هذه الموارد السمكية مثلا، يمكن كذلك أن تنضب إذا لم نحافظ عليها، وإذا لم نعرف كيف نستغلها فالحيوان إذا لم يتوالد معناه أنه لم يتاكثر. ومن هنا، وهناك تعليمات صريحة وجدية للمحافظة أولا على هذه الثروة واستغلالها الاستغلال المبني على طريقة مدروسة وطريقة علمية. والحمد لله – كما تعلم – البحار عندنا والحمد لله.. ولدينا المياه الإقليمية التي يمكن أن تستغل ثروتها، وليست المياه الإقليمية السياسية وهي تمتد إلى 200 ميل بحري، وفي المحيط الهندي إلى ما لا نهاية. والحمد لله سوف نركز على هذا ، وأعتقد أنه سيكون له أثره الطيب بإذن الله على الشعب.
والثروة الزراعية لا شك تأتي في المرحلة التي هي بعد الثروة السمكية الآن، وحسب المعلوم أن هناك حوالي 41 ألف هكتار مستغلة ولكن إذا كنتُ أريد أن أتحدث بصراحة أعتقد أن هذا الاستغلال ليس استغلالا سليما.. هناك أراض تُستغل بطريقة علمية ومدروسة، وهناك بعض الأراضي تُستغل عشوائيا، وبالتالي عندنا خطة متكاملة ومدروسة لاستغلال هذه الأراضي بالطريقة العلمية أولا – ولاستغلال أكبر كمية ممكنة من أقل جزء من الأرض.
ثانيا: عدم التبذير في استعمال المياه. وهذا مهم جداً خاصةً في بلد مثل عُمان أو أي بلد في الشرق الآوسط.. فهنا الماء له أهميته الكبرى .
ثالثا: هناك حصر محسوب بالخرائط.. المعروف أن هناك حوالي أربعين ألف هكتار أخرى يمكن استغلالها أي المجموع 81 ألف هكتار.. هذا إذا لم نتحدث عن بعض المناطق في الصحراء.. ولا أريد أن أتحدث عن هذا مع إنه من الممكن مع تقدم العلم ومع تقدم التكنولوجيا في هذا المضمار وبالفعل فيالمناطق القريبة من آبار البترول في المنطقة الجنوبية أصبحنا نستعمل بعض الأراضي الصحراوية منها لإنتاج علف للجمال والأغنام المتواجدة هناك مع البدو ونوفرها لهم بأرخص الأثمان.
ومن ناحية أخرى الخطة سوف تقوم أو سوف يكون لها دور مهم في توجيه المزارع، أنا لا أريد أن أتحدث عن المزارع التقليدي الصغير، إنما أتحدث عن المزارع الكبير.. سوف نقسمهم إلى مجموعات ، مجموعة من الناس تنتج محصولا معينا لتغطية السوق، ومجموعة أخرى تنتج نوعية أخرى.. وهكذا حتى يكون هناك تكامل وعدم تنافس لأنه في الوقت الحاضر، كما قلت سابقا إن البعض يستغل الأراضي بطريقة عشوائية بأن يزرع قليلا من هذا وقليلا من هذا وبالتالي السوق ترتبك وتكون هناك منافسة في بعض المنتجات الزراعية .
هذا الشيء والشيء الآخر أيضا أن نقول للمزارع وحقيقة أنا بالأمس بالذات وفي هذا المكتب، كنتُ أتحدث إلى وزير الزراعة والأسماك وكان تركيزي على أنه يجب أن يفهم المزارع أنه ليس فقط الكمية هي أهم شيء، دائما النوعية، فأنت قد لا تستطيع أن تنافس السوق إلا إذا كانت النوعية التي تنتجها نوعية جيدة وممتازة، وهي من النوعية التي هي معترف بها عالميا. وأضرب مثالا على هذا.. الفاندق.. نضرب كمثل فندق له نزلاء وله مستويات معينة وهو يريد أن تكون الفاكهة من نوعية معينة، والطماطم تكون من نوعية معينة، وكذلك الخضار في مستوى معين. هل أنا ألزمه أن ينزل إلى السوق ويشتري هذا الخضار، ربما يذهب إلى السوق مرغما، ولكن الزبائن في هذه الفنادق قد يحبون ويريدون نوعية أرقى من تلك النوعية الموجودة في السوق ، ولو أن المزارع يأتي بهذه النوعية الممتازة يكون صاحب الفندق مستعدا لأن يشتريها. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى في القسم الآخر، أقصد المنطقة الجنوبية نريد أن نركز تركيزا كبيراعلى الأبقار الموجودة بكثرة هناك.. هناك يجب أن يكون التركيز على اللحوم ومنتجات الألبان وفي الشمال كذلك نريد أن نركز على الأغنام.. وأريد أن يتم إنشاء مزارع للأغنام، بما معناه أنه بدلا من أن الأغنام تسرح الآن في كل مكان وربما تأكل الأشجار والنباتات المثمرة تُضَمُ هذه في مزارع كبيرة ويُعطَى لها غذاء كمجموعات كبيرة مثل ما هو معمول به في كثير من المناطق المتقدمة من العالم وبالتالي يستطيع أن ينتج بالطريقة الصحيحة وأن يعطي السوق الكمية المطلوبة.
وكلمة أخيرة في هذه الناحية .. كذلك أنا في هذه الخطة سوف أطالب المواطنين هنا في عثمان أن يقللوا من الجمال.. أنا لا أقول إن الجمال التي هي الهجن أو جمال السباق هي معروفة وغنما هي الكميات الكبيرة أو الأعداد الكبيرة من الجمال التي تأكل الحشائش وتستهلك كمية كبيرة من النباتات بغير مردود فأحسن أن نركز على الحيوانات التي لها مردود والتي هي مطلوبة في السوق وتبقى الكميات أو الأعداد المنسبة للسباق والأنواع المؤصلة من هذه الجمال.
الاتحاد: إننا نتابع بإهتمام جلالتكم بالبحث الزراعي وبالبحث العلمي في مجال الزراعة ومحاولة إدخال الأنماط العلمية الممتازة في الزراعة.
جلالة السلطان: وأنا كذلك أُريد أن أقول كلمةً: إنني وخاصةً في زيارتي الأخيرة لأبو ظبي شعرتُ حقيقةً بالارتياح أن هناك اهتماما كبيرا بالزراعة وبالتطور الزراعي وهذا شيء جميل وحقيقةٌ سُرِرْتُ بها.