أدلى جلالة السلطان قابوس المعظم بحديث صحفي الى الاستاذ فاروق البربير رئيس تحرير جريدة “السياسة” اللبنانية الأسبوعية أكد فيه جلالته على ان الحكم يجب ان يكون متمتعا بثقة الجميع ليضمن استمراره كما اكد جلالته على انه لابد في النهاية من انتصار الحق العربي في فلسطين وقال جلالته اننا نؤمن بالعدالة الاجتماعية والمشاركة في الحكم وفيما يلي نص الحديث السامي .
مع السلطان الشاب
صباح الثلاثاء في 11 كانون الأول في تمام الساعة الثانية عشرو النصف كان موعدي مع السلطان الشاب في قصره الجديد في “السيب”
قبل الموعد كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء لم يدم طويلاً… سرعان ما حضر مرافق السلطان الخاص و ابلغني بان السلطان سيقابلني فورا دخلت الغرفة الواسعة لأجد أمامي شابا عربيا اسمر اللون يعتمر عمامة جميلة اللــون، يصافحني بحرارة قائلا: أهلا وسهلا … ودخل معي غرفة المصور العماني الذي احضرته معي … وبدأ المصور بالتقاط الصور الاولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة وبدأ الشاب الاسمر وكأنه تضايق من كثرة الصور.. فأومأ بيده للمصور بالخروج .. فهرول خارجا تاركا الغرفة في صمت دام ثوان سرعان ما قطعه السلطان سائلاً: هل هذه هي أول مره تزور عُمان ؟..
-نعم انها المرة الأولى..
واضاف معلقا وهو مبتسم:
نرجو ان تتكرر في المستقبل …
– ((انه لشرف لي ان ازور اي بلد عربي .. لقد كان الاستعمار في الماضي يقيم الحواجز والسدود … اما اليوم فنأمل ان تتحطم كل هذه السدود و الحواجز)) اجبته ببطء محاولا تكوين نظرة اولية عنه….
بدأ لي من خلال الدقائق الاولى شابا خجولا.. و لكنه يعرف ما يريد .. وسرعان ما تبدل الجو بعد دقائق وأصبح طبيعيا .. فتعشب الحديث..
ولم يدخل أحد الى الغرفة اثناء المقابلة التي دامت اكثر من ساعة ونصف الا المرافق الذي احضر لنا اكواب عصير البرتقال الطازج..
احلام المستقبل..
وصولكم الى الحكم، اقترن بتحد كبير.. فهناك الواقع العماني المتخلف، وهناك الواقع العربي المتطلع الى غد عربي افضل وهناك العالم باسره يركض لاهثا الى المستقبل المجهول.. يبدو انكم في سباق وصراع في الوقت نفسه مع الزمن.. هل انت راض عما حققته حتى الان؟
عندما نبدأ ببناء بلد كما بدأنا هنا في عمان ،لابد من وجود طموح ؛ ان العزلة التي كان يعيشها الشعب هنا كانت قاسية ومريرة.. انني اطمح لتحقيق الكثير .. ولذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن أكون “راضياً” ولكنني ” مرتاح” ليس المهم ما يقوله العالم عنا… ولكن المهم اننا سائرون على الطريق الصحيح، السليم…. انه بالطبع طريق طويل وشاق .. المواطن يجب ان يشعر وان يلمس التقدم .. واظـــن بان المواطن في عمان بدأ يشعر وبدأ يلمس المشاريع الـــــتي بدأنا بها هنا .. لهذا السبب اشعر بالارتياح ..
أننا نعرف ان نجاحنا متوقف على مساهمة اكبر عدد ممكن من المواطنين في عملية التغيير.. لقد أعلنا منذ استلامنا الحكم ان أبواب عمان مفتوحة للجميع بدون استثناء و بالفعل رجع المئات من المواطنين الذين كانوا في الخارج وبدأوا معنا في عملية التغيير..
انني بالفعل أومن بان هؤلاء ساهموا مساهمة بارزة في النهضة الحالية..
اننا نركز بشكل خاص على التعليم وهذه ظاهرة أصبحت ملموسة هنا.. بدون ثقافة وبالتالي بدون وعي وطني لا نستطيع ان نحقق شيئاً
البعض يقول بان الوعي خطر على نظام الحكم .. انني، بكـــل صراحة اعارض هؤلاء… انني لمؤمن بأن الوعي يولد المسؤولية والمسؤولية تعني في النهاية الالتزام بالوطن وبارضه و بنظامه ..
ان الحكم العائلات بدون تأييد شعبي ولي زمنه . الحكم يجب ان يكون متمتعاً بثقة الجميع .. شخصياً لست متخوفاً من الحضارة والتقدم .. علينا ان نتطور وعلينا ان نتقدم هذه هي سنة الطبيعة .. جميع الدول تتقدم وتمارس مختلف الوسائل لتحقيق مستوى افضل لمواطنيها. ومن المفروض ان تزيد الحضارة ثقة المواطن بنفسه وبالتالي ان تزيده ايمانا بأرضه وببلده.
سيكون بالفعل مؤسفا ان يرى احدا غير ذلك.. والواحد يشعر بحسره عندما يرى مستوى الدول الاخرى ويلمس رقيها وتقدمها.
بابنا مفتوح للجميع
-الثورة التي بدأت في الجبال منذ عام 1965م لا تزال مستمرة اسباب استمرارها ما هي وما هي برأيكم الوسيلة لوضع حد لهذا النزاع الدائم بين ابناء الوطن الواحد الذي يستنزف في الوقت نفسة قسماً كبيراً من مواردكم؟
نحن منذ البداية عندنا وجهة نظر واحدة لم تتغير . . ولا نزال نتمسك بها . . الا وهي ان نكون على حسن جوار مع الجميع بدون استثناء بابنا مفتوح للجميع . . لمن يريد ان يرجع وان يخدم بلاده. . بالطبع نحن لا نوافق على الكثير من افكار جماعة ظفار ولكننا نؤمن بأسلوب الاقناع .
انا اقول باننا نمثل اكثرية الشعب واقولها بحق . . اما هم فلقد شهروا ولعلهم في الماضي كانت لهم اسبابهم، اما اليوم فلقد فتحنا صفحة جديدة في تاريخ هذا البلد ونحن بحاجة الى الجميع لنواصل البناء والتقدم.
مساحة المنطقة التي يعملون بها حوالي 30,000 ميل مربع .. وهناك السهول الساحلية ثم الجبال ثم نجد ثم ما وراء نجد . . وهذه الجماعة لم يخرج نطاق نشاطها عن المناطق الجبلية الوعرة، وذات المسالك الصعبة .. وفي بعض المناطق تقترب الجبال بالسهول لذلك كان من الطبيعي ان يصل بعض افراد هذه الجماعة لبعض المناطق الساحلية ــ هذا لا يعني بنظري ان هناك تقدما عسكرياً.
وانني استطيع ان اؤكد بان المناطق التي يعتمدون عليها من أجل تدريباتهم موجود معظمها خارج البلاد .
ان حرب الجبال تستطيع ان تضايق اكبر الجيوش .
بالطبع لولا الحرب لكانت ميزانيتنا الفعلية اكبر .
ولكن هذا الواقع لا يمنعنا من التركيز على الجيش بصفة خاصة . . ان امن البلاد واستقراره مرتبط بتطور الجيش العماني وتأمين ما يحتاجه من معدات واجهزة. ونحن في هذا السبيل لا نتأخر .
نحن لم نطلب التوسط من احد ؛ ولكن بعض الدول العربية الشقيقة عرضت فكرة التوسط فلم نرفضها . .
لقد انضم الينا منذ فترة حوالي 700 مواطن كانوا اصلا يعملون مع الثوار وجاء أكثر من 500 منهم مع اسلحتهم وطلبوا محاربة الثوار وهم حاليا يقومون بالدوريات وبعمليات الاستطلاع. .
ان جمهورية اليمن الجنوبية تتدخل باستمرار كما ان هناك دولا عربية شقيقة اخرى تتدخل باضافة الى بعض الدول الاجنبية التى تمد الثوار بالسلاح والمال . .
-الثورة، اي ثورة في العالم تقدم منهاج عمل سياسي وفكري واقتصادي للشعب. . ما هي المبادئ التي ترتكزون عليها في حكمكم بالمقابل ؟
اننا بلد مختلف كما تعلم ولا بد ان تصبح عمان بلدا عصريا في مستوى البلدان العربية الراقية وهذا لا يأتي بسرعة . . لقد بدأنا السير في الطريق الصحيح على ما أطن محاولة اللحاق بركب الحضارة والامساك بالقرن العشرين ليس عملية سهلة. .
ان التعليم والثقافة والوعي كما قلت، هو حجر الاساس في حركتنا . . مهمتنا الاولى ان نبني المدارس وتثقيف المواطنين ونفتح نوافذنا للحضــــــارة . .
في الوقت نفسه، نحن نتمسك بالعدالة الاجتماعية كطريق لنا . . اذا اردت ان تقول اشتراكية عربية او اسلامية فليكن . . نحن لا نذكر الاشتراكية . . ونحن نسعى الى المشاركة الحقيقية لجميع العمانيين بدون استثناء . . لقد ولى عهد الإستئثار بكل شيء . . لا يمكن لأجنبي ان يستثمر هنا اي مشروع ، مالم يكن له شريك عماني اي مشروع اقتصادي لا بد ان يكون فيه اسهم عمانية .
بالنسبة للزراعة فإننا نوليها اهتمامنا الخاص بالرغم من وجود البترول . . لقد وزعنا مساحات شاسعة من الاراضي .وفي الوقت نفسة فانني اسعى الى رفع مستوى التدريب والقوة القتالية للجيش العماني ، وادخال المزيد من العمانيين الى صفوفه .
دولة البترول في التنمية
-اكتشاف البترول غير الكثير من المفاهيم في المنطقة العربية . . ما هو الدور الذي لعبة في عمان؟
ليس من شك بان البترول لعب دوراً في مشاريع التنمية هنا. . فعمان كما تعلم بلد زراعي والبلاد الزراعية تبقى فقيرة ما لم يتم تصنيع الزراعة .
البترول بالطبع موردنا الاساسي لمشاريع التنمية التي نحن بصدد تنفيذها هنــــاك مشاكل رئيسية تعترضنا .. لعل أهمها خلق جهاز بشري عماني قادر على استيعاب و ادارة هذه الثروة الجديدة، لعل هذا من الاسباب التي دفعتنا الى عدم الاشتراك في منظمة الاوبيك .. فنحن على استعداد لتنفيذ جميع المقررات التي نتخذها…
نحن بصدد انشاء الشركة الوطنية للبترول التي ستلعب دورا بارزا في صناعتنا البترولية كما اننا تفكر في الوقت نفسه بإنشاء مصنع بتروكيميائي لان هذا المصنع يعتبر تتمة طبيعية للصناعة البترولية ..
بالنسبة للمصفاة التي تساءلت عنها: فإنني اجيبك بان الوقت لا يزال مبكرا.. ان طاقتنا البترولية ليست كبيرة حتى الآن (300 الف برميل يوميا) كما ان هناك مضاف عديــدة اخرى في المنطقة ونحن بحاجة الى الجهاز البشري الغني لإدارتها.. ومن جهة اخرى فان استهلاك المحلي لا يزال حتى الآن متواضعا..
ان المستقبل كفيل بتحقيق هذا المشروع متى اصبحنا بحاجة اقتصادية له..
نظرية الامن و علاقات حسن الجوار ..
يبدو ان نظرية الامن تثير اهتمام جميع دول العالم.. ما هو رأيكم بهذا الموضوع بالنسبة لمنطقة الخليج بصورة خاصة؟ وما هي علاقتكم ببريطانيا؟؟
نحسن نسعى باستمرار الى اقامة حسن جوار مع الجميع بدون استثناء، نحن ضد الاحلاف او التكتلات مهما كان نوع ها ولكننا لسنا ضد المساعدات .. ان معظم دول العالم تتلقى مساعدات مختلفة.
علاقتنا بجميع الدول العربية حسنة ماعدا الدول التي تساعد الثوار .. بالطبع نحن نسعى لمزيد من القوة و لمزيد من التضامن العربي لقد دخلنا الجامعة العربية و اصبحنا عضوا في هيئة الامم. وليس من شك بان عمان بساحلها و داخلها، دولة واحدة.. سنسعى الى المزيد من التضامن و الاتحاد بيننا وبـــين اخواننا العرب على ساحل الخليج لأننا نعتبر انفسنا وحدة كاملة.. المستقبل كفيل بوضع اللمسات الاخيرة لأي نوع من الوحدة الاتحاد …
بالنسبة لبريطانيا، فنحــــــن دولة مستقلة تربطنا بها علاقات سياسية و اقتصادية منذ زمن طويل… وهناك اتفاقات بيننا و بينها….
ان عمان ستعيد النظر في اي اتفاق متى دعت الحاجة الى ذلك وسنوثق علاقاتنا كما قلت ، في الوقت نفسه مع جميع الدول العربية التي نرتبط معها بوحدة المصير العربي المشترك
الوحدة أمل العرب
– الوحدة حديث أوروبا.. وحديث أفريقيا.. وحديث العرب.. كيف تنظرون الى الوحدة العربية؟
الأخ لا يستطيع مساعدة أخاه اذا كان مريضا.. ونحن لانزال في بداية الطريق فبلدنا بلد متخلف ويحتاج الى الكثير من مشاريع التنمية التي نحن بأمس الحاجة اليها…
الوحدة هي جميع العرب ولابد ان تحقق في المستقبل ولكن علينا ان نرسي الاساس السياسي و الاقتصادي و الثقافي أولا..
علينا ان نكشف ذاتنا لنتحول الى قوة فعالة تستطيع في المستقبل القريب انشاء الله ان تمارس دورها البناء الايجابي في المحيط العربي ..
خطوة في الصراع ..
مؤتمر السلام يثي الكثير من الجدل… كيف تنظرون اليــــــه ؟؟
لقد حطم العرب اثناء حرب تشرين اسطورة التفوق الاسرائيلي .. فلقد برهن الجندي العربي بانه جندي محارب و شجاع يستطيع ان يغير الواقع اذا شاء.. وفي الوقت نفسه فلقد كشفت حرب تشرين عن طاقات العرب الدفينة واستطاع العرب ان يكسبوا احترام العالم …
بالنسبة لمؤتمر السلام ، نحن مع اي قرار أو خطوة يوافق عليهما اشقاؤنا العرب .. و مؤتمر جنيف قد يحل المشكلة وقد لا يحلها .. ولكن بالامكان اعتباره خطوة في الصراع الطويل الدامي بين الصهيونية العالمية وبين العرب .. ولابد في النهاية من انتصار الحق العربي في فلسطين المحتلة.