جريدة عمان
18 ديسمبر 1988
ليس أمام القادم إلى مسقط غير الأناقة.. إنه لا يرى في في هذه المدينة – الحديثة القديمة – غير الأناقة.. كل شيء فيها أنيق وكل شيء فيها تقع عليه العين يبهر من شدة أناقته. وعندما كنتُ في الطريق إلى قصر العلم.. في قلب العاصمة لمقابلة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم كان كل ما يأخذ بصري هو تلك الأناقة التي أشير إليها بحماس، وبتميز هذه الأناقة التي تنقل لك لمسات السلطان نفسه وتوحي لك برغباته، والتي تركزت على أن يمنح بلاده عاصمةً في منتهى الجمال وتوحي بالتنسيق وجميل هذا الإحساس إذ من عادة المدن أن تتقدم إليك بمتنوعات شكلية يختلط فيها القبح بالجمال، والتنسيق بالفوضوية،لكنك هناك لا ترى مسقط إلا بوجه واحد، هي أنيقة، – كما قلتُ – منسقة وجميلة، وعندما تحمل انطباعك تأخذ أشكالها في هرم الأناقة بكل انسجام، فتمنحك منظرا آخر هو ذروة الشكل، يتكامل مع المينة ويمنحها المعلم البارز الذي لا تستطيع فصله عن كل ما تشاهد من بانوراما ليس فيها ما يوحي بالنشاز.. قلتُ إنك حين تعبر عتبات القصر بكل هذا الإحساس تتفاجأ بظاهرة أخرى، إنه الهدوء يأخذك من كل جانب ويضيف إلى أحاسسيك إحساسا آخر، أن يداخل هذا الهدوء الأنيق ثمة رجل هادئ، يعمل بصمت إلى درجة تعود فيها وتتساءل: هل هي صدقاً يوجد هناك سكان في هذا القصر أم لا؟.. هدوء تستشعر أنه يحدثك ويكلمك ويتقدم إليك ببرتوكول عفوي يجعلك نائياً عن كل ما تعودتَ عليه في مقرات الحكم من مظاهر، ومن سلوكيات مدروسة.. وهذا أكثر ما تلاحظه عندما تصبح داخل قصر العلم، فالذين يكونون في استقبالك هم جزء من هذا المشهد الفريد، رجال من التشريفات يتقدمون نحوك بوجوه باسمة، يهمسون إليك برفق، وبالكاد تسمعهم، ويقدمون إليك القهوة العُمانية، عنوان الضيافة، عندما تستقر في مقعدك داخل الصالون الأنيق كل هذه المراسم تتم برفق زائد، هي جزء من هذا الهدوء وتعبير إنسانسي عنه. وعندما تأخذ طريقك عبر الممر الخاص، إلى مقابلة السلطان يزداد الهدوء هدوءً حتى تجد نفسك في حضرته وفي استقبالك، كما كان في الدخول، ابتسامته الهادئة وترحيبه الهادئ، وقوله لك بالصوت الهامس إنه مستعد لتلقي الأسئلة ومستعد للإجابة عليها.. هذا ما حدث معي.. وجدتُ نفسي ملفوفاً بالمظهر الأنيق، وبأجواء الهدوء وبصوت جلالة السلطان قابوس يهمس لي وينبهني بأنه ليس من أفكار مسبقة عنده يريد الحديث عنها، إلا فكرة واحدة وهي أن فن الدبلوماسية عنده تختلف عن سواه، فهو يرى في هذا الفن قول الحقيقة ولا شيء سواها. وطالما أنه يلتقي الأسئلة فإنه سيجيب عليها، فكما أن السؤال جزء من حقيقة قائمة كذلك الجواب متنزع من حقيقة موجودة وقائمة. عدا هذا الإيضاح فإن جلالة السلطان قابوس يترك لك حرية السؤال فهو في الآخر ليس لديه إلا كلام واحد يقوله في شتى المسائل التي تضغط على العُماني، وعلى السياسة العُمانية، التي تتناول شؤون الداخل والخارج معاً، وخاصةً شؤون الإقليم ومستقبل مسيرة التعاون فيه وعلى أساس هذه القاعدة باشرتُ حواري مع جلالة السلطان بالسؤال التالي:
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. كيف ترون لقاء البحرين يومين؟ وماذا تطلقون عليه من تسميات؟
السلطان: التسمية التي أطلقناها وانتهينا فلقاء البحرين اسمه (لقاء الأمن والإنجاز) ثم إن التسميات كثيرة التي يمكن أن نلجأ إليها.. لكن الشيء المؤكد أن قمة البحرين تنعقد في ظروف مهمة تختلف عن الظروف التي أحيطت بالقمم الخليجية السابقة.. إن قمة البحرين تنعقد الآن في جو خالٍ من التوتر بعد توقف الحرب العراقية – الإيرانية وفي أجواء سعة الإدراك لدى الزعامات الخليجية، علاوةً على ترافقها مع جو شعبي أصبح أكثر حساسية. إن لقاء البحرين القادم مهم للغاية لأننا كقادة سنكون في مواجهة قضايا تضغط شعوب المنطقة من أجل إقرارها وإنجازها خصوصاً قضية الانفتاح الأوسع المفروض أن يتحقق بين هذه الشعوب وهو الانفتاح المطلوب حتى يكون تكتلنا أكثر فعالية وأقدر على البقاء.
لا نحمل السُلم بالعرض
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هناك من يتهم عُمان بأنها الدولة التي (تحمل السُلم بالعرض) بالنسبة لقضايا مجلس التعاون.. ما رأي جلالتكم؟
السلطان: ليس الأمر كذلك. أي حمل السلم بالعرض.. فالمسألة هنا مسألة تريث. فالله – سبحانه وتعالى القادر على كل شيء خلق الكون في ستة أيام، وكان لنا حساباتنا في هذه المسألة، والتي يرى البعض أنها حسابات غير ضرورية. من جهتنا فنحن نرى أن بعض المصالح الوطنية يجب أن تحظى بالاعتبارات حتى لا تكون هناك غلبة القادر على غير القادر،لكن عندما تغيرت الظروف ووصلنا إلى مرحلة التكافؤ فيما بين بلداننا في الكثير من قضايا الشؤون السياسية والاقتصادية أصبحنا أكثر مرونة، لقد وافقنا على كل الذي طُلِبَ منا، ولم يعد لدينا تحفظ إلا على ما ندر نت القضايا والأمور. وهذا يعني أننا بدان نشعر أن هناك تكافؤ في الفرص لقد تحقق للجميع ولا يضار منها شعبنا. لقد تحفظنا في السابق على بعض قضايا التعاون لكن تحفظنا كان مؤقنا ولم يكن نهائيا. كنا نرى أن التكافؤ في الفرص يجب أن يشمل الجميع حتى لا يلحق الإضرار بأي طرف وقد قَدرَلنا أخواننا وجهة النظر هذه فنحن في النهاية مع مجلس تعاون قوي، ومع الاستفادة منه ومن قوته كتكتل يحمي مصالح شعوب المنطقة ويدفع بها إلى الأمام.
لن نحتفظ على شيء في البحرين
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. أنت ذاهب الآن إلى البحرين للمشاركة في أعمال مؤتمر القمة الخليجي، تُرى هل لديك أي اعتراضات على جدول الأعمال أو على ما قيل في الاجتماعات التحضيرية له. أو في كواليس هذه الاجتماعات؟
السلطان: لقد استعرضت ما هو مطروح على القمة وما سيقال فيها وأعتقد أن كل شيء على ما يرام. ليس لدينا أي تحفظ على النقاط المطروحة، لقد زرتُ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات مؤخرا قبيل انعقاد القمة واجتمعت مع من يعينهم الأمر ولم أجد عندهم أي تحفظ على ما قلته وطرحته من مواضيع.. بل على العكس من ذلك فإن الجو الذي يُعقد فيه لقاء البحرين، كما ترون جو يتسم بسعة الإدراك وبالإحساس بأن ثمة متغيرات عالمية قد حدثت، وكذلك متغيرات في المنطقة علينا أن ننسجم معها ونتفاعل لصالح قضايا دول مجلس التعاون. والقضايا الملفتة الآن هي ليست فقط أننا أصبحنا أكثر مرونةً، بل هي الظروف التي تغيرت فينا ومن حولنا. كنا عندما تُعرض القضايا علينا نحبذ أن تكون الموافقة عليها بالاجماع وأن تكون كل دولة مهيأة لما هو مطروح، وكنا عندما نختلف حول موضوع معين لا نوحي وكأن مجلس التعاون قد انتهى، كنا نختلف اليوم ونلتقي غدا، الآن فإن تحفظنا على بعض القضايا كان تحفظا وقتيا، والوقت انتهى وحان موعد الموافقة، وكما ترون فإن القضية في جوهرها اكبر من أن تكون مرونة إنها قضية الظروف التي تغيرت.
سنتحول إلى سوق خليجية مشتركة
المحرر:سيدي صاحب الجلالة.. هل تعتقدون أن مجلس التعاون يمكن أن يتحول إلى قوة عالمية مرموقة كما هو عليه التجمع الأوروبي الآن؟
السلطان: المجلس الآن يمثل قوة قائمة بالفعل فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ونحن في النهاية سنحول التعاون بيننا إلى مايشبه السوق الأوروبية المشتركة مع مراعاة أنه حتى في السوق الأوروبية هذه هناك مشاكل تنشأ عن اصطدام المصالح الوطنية لكل دولة.. لكنهم هناك يتعاملون مع الوقت ويلجئون إليه لعلاج هذه المشاكل. نحن في النهاية سنصبح سوقا خليجية مشتركة. المهم عندنا هو مراعاة أن لا يطغى القادر على غير القادر. وعندما يكون هناك تكافؤ في القضايا المطروحة فلا ضرر من الموافقة عليها.. نحن نريد أن نصبح قوة وأن نستفيد من تكتلنا، لكننا في نفس الوقت لا نريد أن نستعجل الموافقة على قضايا نجد أنفسنا فيما بعد وبعد فترة نتململ من الموافقة عليها أو نكتشف أن موافقتنا قد تمت في ظروف عدم تكافؤ.. هنا ستنشأ المراجعة وحساب النفس ويبدأ الإحساس بالغبن،وبالتالي تمضي هذه الموافقة نحو التعثر. لقد كنا نقول هذا الكلام منذ بداية اجتماعات دول مجلس التعاون وكنا ندعو إلى تحاشي كل الجوانب التي يتسبب منها نشوء السلبيات في هذه الناحية. نجح المجلس في مسيرته على الرغم من بعض عثرات قابلها ولذا فإن لقاء البحرين بالمقارنة مع لقاءات القمم السابقة سيكون لقاء إنجاز لأن الكثير من القضايا قد أصبح التكافؤ حولها موجودا وكما قلتُ سابقاً فإن بلدنا لم تتحفظ على أي شيء باستثناء التحفظ على أشياء بسيطة وهو تحفظ وقتي يُقَدره الأشقاء لنا، ويقدرون وجهة نظرنا فيه.
حرب الخليج انتهت.. ولكن!
المحرر:سيدي صاحب الجلالة.. ننتقل إلى سؤال آخر، تُرى هل انتهت الحرب العراقية – الإيرانية؟
السلطان: رسميا الحرب توقفت.. ونحن مسرورون لذلك لكن حتى يتم عقد اتفاق السلام وحتى يتم تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 598 فإن مخاطر تجدد الحرب لا تزال قائمة ومازال الإحساس حولها إحساسا موجودا ومشوبا بالحذر، هذا الحذر موجود ولن يبدده سوى انسحاب قوات الطرفين إلى حدودهما الدولية، وتطبيق بنود السلام.. إننا هنا ندعو الله بصدق أن يفرج عنا هذه الغمة، وأن يعيد إلى المنطقة جو الألفة الذي تريده.
علاقات جيدة مع إيران
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. بعد توقف الحرب كيف سيكون عليه شكل العلاقة بين عرب الخليج وإيران.. فهل علينا أن نخطو الآن إي خطوة باتجاه طهران؟
السلطان: في الاتفاق العراقي – الإيراني هناك مادة وهي المادة الثانية: تحض دول الخليج على التعاون، وأعتقد أنه إذا ما توصل الطرفان إلى اتفاقية سلام فإنه يتوجب أن تكون هناك علاقات جيدة مع إيران ودول المنطقة فإيران دولة جارة ولا يمكن إغفال هذه النقطة.. المهم عندنا أن ينتقل السلام بين العراق وإيران من مرحلة توقف القتال، إلى مرحلة السلام الكامل، ونحن كدول مجلس التعاون لابد لنا بعد ذلك أن نخطو نحو العلاقات مع إيران من أجل أن يختفي التوترفي المنطقة ويزول عنها.
عُمان تغيرت.. وكذلك الظروف
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. يُقال إن عُمان تغيرت وأصبحت أكثر مرونة.. تُرى عل عُمان هي التي تغيرت بالفعل أم هو مجلس التعاون الذي تغير؟
السلطان: طوال السنوات الثماني الماضي كان الجو الذي تنعقد فيه مؤتمرات القمة لزعماء دول المجلس دوا مشحونا بالتوتر. فحرب العراق وإيران امتد شررها إلى دول عديدة في المطقة ولذلك فإن الرؤية حول الكثير من القضايا – أقصد قضايا مجلس مجلس التعاون – كانت تتعرض لانعكاسات هذا التوتر, نحن طرف في هذه المنطقة. الآن أقول إنه نحن الذين تغيرنا ولا أقول إن المجلس تغير والظروف هي التي تغيرت فالحرب وضعت اوزارها والمرحلة الراهنة مرحلة سلام نأمل أن يتعزز بالاتفاق الرسمي في جنيف بين العراق وإيران، ذلك المتغيرات الدولية حصلت باتجاه قيام ظروف إيجابية. لذلك ومن أجل هذه الاعتبارات كلها وليس من الإنصاف أن نقول: إننا كنا غير مرنين وأصبحنا الآن مرتين، لا، الظروف هي التي تغيرت، وتغيرها هو الذي خلق المرونة لدى الجميع، المصالح الدولية اختلفت واختلافها وَضَعَنَا جميعا أمام رؤية جديدة.
العراق يبدد هواجس الخوف
الحرر:سيدي صاحب الجلالة.. هناك من تعتقد أن قوة العراقية بعد الانتصار قد تتسبب في ظهور بعض الهواجس لدى دول المنطقة.. ما رأيكم في ذلك؟
السلطان: العراق دولة عربية وقوته لنا، والعراق هو الدولة الوحيدة القادرة على دحض المخاوف وتبديدها والتعامل معها حتى لا تتحول إلى هاجس. لقد كنتُ مسرورا من زيارة الوفد العراقي لنا قبل مدة. ولا أذيع سراً إذا قلتُ إن الموفد طرح علينا وجود مثل هذه المخاوف ووجود من يردد الحديث عنها. وقد أوضح لنا ما أعتبره نفيا لكل هذا التوجس. وحتى فيما يتعلق بشكل وعدد دول مجلس التعاون فإن العراق عبر موفديه قال: إنه يحترم تجمع دول المجلس ويقدر ظروف تجمعه العائدة إلى تجانس أنظمة أعضائه وإلى الخصوصية التي تمتع بها أبناء الدول الست وأوضح العراق إنه وإن كانت دول المجلس مقتصرة على الدول الخليجية فإنه يعيد ذلك إلى ظروف التجانس الاجتماعي التي تجمعها والتي تحظى منه بالتقدير، وإنه – أي العراق – ينظر إلى هذا التجمع الخليجي.. كقوة تلقى كل الاحترام والتقدير من لدن القيادة العراقية.. إن إزالة هذا التوجس شأن عراقي ونحن من جهتنا لا نشعر بالتوجس وندرك أنه وإن تم طرحه وطرح وجوده في الكواليس إلا أنه عمليا توجس غير موجود لأن العراق دولة عربية ونصرها نصر لنا.
موقف آخر من الحرب
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هناك من يتحدث كثيرا عن موقف آخر لكم اتجاه الحرب العراقية – الايرانية !!
السلطان: منطقتنا نحن كنا ضد هذه الحرب ولا نريدها وكنا نسعى بطرقنا الخاصة إلى إخمادها وإنهائها لقد ظل الباب بيننا وبين إيران مفتوحاً، وقد تحاشينا الدخول معها في شكل من أشكال التجاذب يُفضي إلى التوتر وذلك لقناعتنا أننا – عبر علاقات حسنة مع إيران – تستطيع أن تساهم في إخماد جذوة الحرب لاسيما وأن لنا حدزدا ملاصقة لإيران.. لقد نجحنا في ذلك ولم يكن لدينا في هذا المسعى أي هدف سوى استعمال علاقاتنا سواء مع الطرف الإيراني أو الطرف العراقي لإيجاد جو أفضل بين البلدين لأنه في النهاية لابد وأن تنتهي الحرب وأن تكون العلاقات جيدة مع إيران كما العراق البلد الذي لا منة في العلاقات معه لأنه بلد عربي.
نعم.. واجهنا مخاطر عسكرية
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هل واجهتم مخاطر عسكرية أثناء اندلاع الحرب في السنوات الثماني الماضية؟
السلطان: نعم لقد كنا في مواجهة بيم حين وآخر.. وكنا نقول لسلاح البحرية العُماني أن يتحلى بالصبر.. كانت هناك البواخر الهاربة من نيران المدفعية الإيرانية إلى مياهنا الإقليمية.. وكانت القطع الإيرانية تلحق بها وكنا نعالج الأمور في هذه الفترة العصيبة بالتروي والحكمة. لأننا لم نكن نريد إطفاء النار بالزيت. لقد مارس سلاح البحرية العُمانية أقصى حالات ضبط النفس وقد زالت هذه الغُمة الآن والحمد لله التي خيمت على المنطقة كلها.
لا قواعد عسكرية في بلادنا
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. لنتحدث الآن عن عثمان فالمرء هنا يتساءل: هل هي مليئة بالقواعد العسكرية الأجنبية؟
السلطان: ليس لدينا قواعد اجنبية بالمرة. لكن الأساطيل الأجنبية موجودة في المياه الدولية وعندما طلبتُ من البحرية العُمانية ممارسة أقصى حالات ضبط النفس أمام التوتر البحري الذي عاشته مياهنا الإقليمية إبَان حرب الثماني سنوات. فإنما كنتُ أريد أن أتجنب ظهور أي تهور يكون مدعاةً لاستقدام الأساطيل الأجنبية – نحن بالطبع – نستقبل بين فترة وأخرى بعض قطعات أجنبية تأتي لزيارة موانئنا وهذا شيء يحدث في كل دول العالم.. زيارات تتم وترحل بعدها هذه القطعات والزيارات هذه معلنة وليست سرية ولا تؤثر على السيادة الوطنية..
مناورات لزيارة الخبرة العسكرية
المحرر: سيدي صاحب الجلالة .. وماذا عن المناورات المشتركة مع الدول الأجنبية؟
السلطان: هذا نوع من خطط التدريب العسكري حيث تستفيد جيوشنا من أي تقدم لدى قوات هذه الدول الصديقة ولا أعتقد أن في ذلك أي انتقاض من السيادة الوطنية وهذا أمر يحدث مع كثير من الدول، وليس فيه ما يفسر غير أنه نوع من التعاون المثمر تستفيد منه الجيوش إذا ما وجدته أنه ضروري للاستفادة من التدريب ومن تجارب أخرى غير تجاربها.
التبادل الدبلوماسي مع موسكو…ضروري
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. وماذا عن عودة العلاقات بين بعض دول مجلس التعاون والاتحاد السوفييتي ؟
السلطان: دول مجلس التعاون وإن كانت تمثل تكتلا إلا أنها تقع ضمن المجموعة الدولية تؤثرعليها وتتأثر بها والاتحاد السوفييتي دولة كبرى وفلك مهم في المجموعة الدولية وأعتقد أن العلاقات الدبلوماسية مع ومع باقي دول مجلس التعاون يجب أن تتم لأننا بحاجة إلى هذه الدول المهمة خصوصا وإن التحفظات تجاهها لم تعد قائمة.. الاتحاد السوفييتي اليوم غيره قبل سنوات مضت ويكفي أن نشاهد حجم المعونات الدولية التي تتدفق على روسيا لنجدتها في كارثة زلزال أرمينيا الأخيرة لنكتشف حجم العلاقة التي تحوز عليها مع المجتمع الدولي. الاتحاد السوفييتي لم يعد تلك الدولة الغامضة أو دولة الستار الحديدي. فهذه الدولة لم تعد تتكتم بحذر على قضاياها الداخلية، وأصبحت تتعامل مع هذه القضايا بنفس الصيغة التي يتعامل بها غيرها مع قضاياه، كل شيء مكشوف ومعلن، كذلكلم يعد الاتحاد السوفييتي تلك الدولة التي تغلق بابها على نفسها وتنعزل؛ بل إنها لم تعد تبدي حذرا من دعم العالم ومعونته لها. من هنا نحن الآن نتعامل مع دولة مختلفة الإيديولوجية ومختلفة التركيز عما كانت عليه في سنوات طويلة مضت.. إننا في الوقت الذي نسعى فيه إلى إبراز قوتنا وقوة تجمعنا من باب أولى أن نتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفييتي لأنه كما قلت فلك عالمي مهم. كما هو الحال مع الدول الأخرى لذا فإني أرى أن يكتمل التعاون الدبلوماسي بين روسيا ودول مجلس التعاون فالتوقيت الآن أكثر من مناسب.
زيارة لتقارب الأفكار
المحرر:سيدي صاحب الجلالة.. هل لنا أن نعرف أسباب زيارتك الأخيرة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمرات؟
السلطان: هذه الزيارة تقع في سلسلة زيارات سنقوم بها لكل دول المنطقة وأعتقد أن الوقت مناسب الآن كي نكون على مقربة من أفكارنا. إن مثل هذه اللقاءات الثنائية تترك انطباعا جيدا، كما إنها تخلق ديناميكية للتعاون، لقد رأيت أن أقوم بزيارة الرياض وأبو ظبي قبل لقاء قمة البحرين والزيارة كانت لتبادل وجهات النظر لمزيد من التطابق حولها.
مع قيام دولة فلسطينية
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. لماذا تأخر اعترافكم بالدولة الفلسطينية؟
السلطان: لقد أعلنت الرغبة في قيام دولة فلسطينية، ولم تقم حتى الآن. لكن ما تم هو قرار قيامها. ومع ذلك وبالنسبة لنا فنحن مع قيام دولة فلسطين وشرح لنا الأخوة الفلسطينيون ماهية الاعتراف وأن له أبعادا معنوية ولقد أعلنا ذلك الاعتراف مباشرةً والموضوع بالنسبة لنا ينحصر في القضية الفلسطينية. لا نحتاج إلى أن ندافع عن وجهة نظرنا حولها فنحن معها، ومع أي حل يراه الأخوة في المنظمة لها. لقد سُررنا بأن الانتفاضة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة قد أثمرت وأعطت نتائج طالما كنا ندعو لها. لقد قلتُ في خطاب لنا في الأمم المتحدة عام 1983 وكذلك خطاب آخر في لندن (إنه بدون دعم الداخل الفلسطيني فإن الثروة الفلسطينية ستظل ثورة خارجية تحاربها القوة الخارجية، تصفها يوما بالإرهاب ويوما بالتطفل ويوم آخر بأنها لا تعكس مطالب الداخل الفلسطيني). وقد حوربت الثروة الفلسطينية لكنها تأكدت عالميا عندما ثارت الأرض المحتلة وعندما شعرت القوى العالمية أن إسرائيل لم تستطيع تهجين الداخل الفلسطيني، وإن الفلسطينيين في الداخل والخارج يريدون دولة لقد استطاعت القضية الفلسطينية أن تفرض وجودها ويكفي ماحدث في العالم عندما رفض جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي منح السيد ياسر عرفات إذن دخول الولايات المتحدة الأمريكية لقد انتقل العالم إلى جنيف ليستمع إلى السيد عرفات ويحكم على توجهاته التاريخية.. لقد خدم وزير الخارجية الأمريكي السيد شولتز القضية الفلسطينية المعززة الآن بالانتفاضة الداخلية التي لا أملك إلا أن أحييها وأحترم نضالها. لقد قلتُ للأخوة الفلسطينيين الذين زاروني مؤخرا: إن قرار وزير الخارجية الأمريكي خدمكم ورب ضارةٍ نافعة وأنتم الآن تسيرون على الطريق الصحيح لكسب القضية بعيدا عن اتهام العالم لكم بأنكم تحتضون الإرهاب أو تدعون له أو إنكم لا تريدون سلام. لقد جاءت انتفاضة الأرض المحتلة لتضع مفاهيم جديدة وقلنا هذا وتوقعناه قبل سنوات طويلة. نحن الآن مسرورون كون القضية الفلسطينية أصبحت ثمار الانتفاضة المباركة وكون توجهات الثروة الفلسطينية أصبحت توجهات تاريخية وعلى العالم أن يحترمها وينصف أصحابها.
سلبيات التراجع الاقتصادي وإيجابياته
المحرر: سيدي صاحب الجلالة..ننتقل إلى موضوع آخر. فماذا عن الوضع الاقتصادي؟
السلطان: حال وضعنا الاقتصادي كحال الدول الأخرى. هناك تراجع في الدخول لكن ذلك لم يؤثر على الإنفاق الرئيسي للدولة فكل ما له علاقة بحياة المواطن لم نحاول التأثير عليه بل بالعكس فقد حافظنا على المكاسب في الإنفاق العام الرئيسي ولكن بتراجع المداخيل فقد تم تأجيل بعض المشاريع وإخضاع إنجازها لفترة أطول والتراجع الذي حدث كانت له سلبياته وكانت له إيجابياته ونحن مسرورون لأن تراجع المداخيل جاء بعد اكتمال البنية الأساسية لدينالاكالطرق ومشاريع الخدمات وغيرها. لقد أسرعنا في إنجاز البنية الأساسية لدينالا خلال خمس سنوات لأننا كنا نريد أن يرى المواطن العُماني في العيد الوطني الخامس عشر للسلطنة قد تم إنجازها خصوصا البنية الأساسية لتراجع المداخيل الآن بالطبع – سلبيات لكنها سلبيات مؤقتة نعالجها من خلال التكيف مع حجم الدخل وإنفاق هذا الدخل حسب أرقامه. تبقى إيجابيات التراجع فلولا حصوله لكنا بصدد تنفيذ سياسة وقف الترهل الذي أحدثه الإنفاق الحكومي. بالطبع نحن بحاجة إلى جهاز نشط ليس فيه أي أثر للخمول أو الترهل. من هنا نعتقد أن ترشيد الإنفاق الذي فرضه تراجع المداخيل قد حقق فكرة تهذيب جهاز الدولة ونزع صفة الترهل عنه. وأضيف في هذه الناحية وأقول إنه حتى لو عادت المداخيل في السنوات القادمة إلى التحسين فإننا لن نعمد إلى الإنفاق غير المدروس فإنفاقنا سيكون بحدود وسنحاول بناء احتياطي عام للدولة يكون بمثابة دعم لها ويتولى تسديد قروضها الداخلية.
تراجع الدخول النفطية مؤقت
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هل تعتقدون أن تراجع الدخول النفطية سيستمر أم إنه تراجع مؤقت؟
السلطان: التقارير تقول إنه سيكون لكننا كما قلنا رتبنا اوضاعنا بشكل نظن أنه منسجم على مداخيلنا الحالية والأمر في هذا الشأن لا يتعدى كوننا أخرنا بعض المشاريع ذات الأهمية الثانوية ومنحناها فترة أطول للإنجاز ما عدا ذلك فإننا حافظنا عليه خصوصا المشاريع التي تتصل بحياة المواطن اليومية.
لا نقترض من الخارج
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هل تحملت السلطنة أي قروض خارجية؟
السلطان: نحن لم نعمد إلى الاقتراض الخارجنا. لكننا اقترضنا من الداخل لغاية خدمة الاقتصاد المحلة ولأن هذا الاقتراض يحرك العملة الداخلية خاصةً إذا كان هناك فائض في السيولة وغياب للمجال الاستثماري المضمون.
سنفتح أبواب عُمان للقادمين
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. هناك من يعتقد أنكم تقفلون أبواب عُمان في وجه القادم إليها.. ما رأي جلالتكم؟
السلطان:أعتقد أن المرحلة القادمة تتطلب مرونة. لقد بدأنا نفتح المجال أمام أبناء دول مجلس التعاون حيث أغينا طلب التأشيرة المسبقة للدخول ثم إننا وجدنا أن هناك تحركا ملحوظا لزيارة عثمان ولا بد إزاء هذا التحرك من مرونة لأخرى تشمل جنسيات أخرى غير جنسيات أبناؤ دول الخليج. المهم عندي أن لا تختلف هذه المرونة مع بعض مبررات الأمن والتي هي الأخرى ليست مبررات صعبة كما كانت عليه في السابق. أوضاع كثيرة تغيرت ومع هذا التغير سنكون في موقع القادر على إبداء قدر أكبر من المرونة لم يعد الأمرعندنا كما كان عليه في السابق وهو التشدد الأمني الذي كان مطلوبا. كنا نريد عندما يكون لدينا انفتاح أن يكون لدينا أيضا شيء في البلاد يراه القادم الآن بعد أن اكتملت المرافق وأصبحت عُمان بلدا يستحق الزيارة أصبحت مع المرونة وسيحدث هذا.
سياحة منظمة وذات مستوى
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. ألا تعتقد أن عُمان ممكن لها أن تكون بلدا سياحيا؟
السلطان: السياحة بالمفهوم الذي تمارسه بعض الدول التي تعتمد في دخولها على السواح والزائرين.. وبالفوضوية التي تعرفها.. مثل هذه السياحة لن تكون مقبولة لدينا فطبيعة المجتمع عندنا مختلفة عن طبيعة المجتمعات الأخرى ولن نصل بالاعتماد على السياحة درجة وضع شعبنا في محل تسلية للسائح كالذي ييحدث بعض الدول السياحية.. فشعبنا لن يرقص أمام السواح ليسليهم وأنا ضد هذا لكن علينا في نفس الوقت أن نشجع السياحة الخليجية وهي سياحة مهمة كذلك السياحة الداخلية وهي مهمة أيضا. لدينا مرافق تم إنشاؤها. ونظرا لأن أطراف السلطنة شاسعة لدرجة أن بعض المجاميع السياحية المتجهة إلى جزو المحيط الهندي، هؤلاء يمضون بعض الوقت عندنا في سياحة منظمة ذات مستوى.
شركات ذات مردود للقطاع الخاص
المحرر: سيدي صاحب الجلالة.. نعود إلى الوضع الاقتصادي لقد قلتم جلالتكم أنكم لم تسمحوا بالترهل بزيادة هذا الانفاق، كما إنكم ستسمحون على بالحفاظ على وضع الدخول الحالية. ماذا عن القطاع الخاص؟ وهل سيجري تحريكه؟
السلطان: لقد قمنا بتأسيس شركة الأسماك مؤخرا وطرحنا أسهمها ليساهم بها القطاع الخاص وقد وجدنا أن هناك رغبات فاقت عدد الأسهم ولذا كان الاكتتاب اكثر مماهو مطروح ومقرر ذلك أن القطاع الخاص يريد أ يبدأ برجمة نفسه للدخول في هذه الشركات ذات العائد والتي نشعر انها تحتاج إلى رساميل عالية تفوق طاقة الأفراد المنفردين.. إن تجربة شركة الأسماك أعطتنا مؤشرا على أن القطاع الخاص لديه السيولة التي يبحث لها عن استثمار جيد وسنحاول أن نلبي مطالب هذا القطاع عبر طرح شركات ذات مردود جيد وذات فكرة استثمارية مهمة.
المحرر: إلى هنا توقف الحديث مع جلالة السلطان قابوس سلطان عُمان الذي لا يلجأ إلى اختيار العبارات الدبلوماسية لحديثه إذ أن فن الدبلوماسية عنده هو أن تقول الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة.