جريدة عمان
08 نوفمبر 1981
أدلى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بحديث شامل لمجلة النهار العربي التي تصدر في باريس وتناول فيه أهم القضايا المحلية والخليجية والعربية والدولية وفيما يلي نص الحديث :
المحرر: امر المنطقة العربية والخليج بصفة خاصة بظروف صعبة فهل يضع مجلس التعاون الخليجي تصورات خاصة لحماية المنطقة والحفاظ على أمنها ؟
السلطان : لقد كان استراتيجيتنا دائما هي أن أمن الخليج هو كلٌ لا يتجزأ تطبيقاً لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) [ المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى] ونحن لسنا أخوة في الإسلام فقط وأخوة في الجوار،وأخوة في الدم وأخوة في المصير .. تجمعنا مصالح مشتركة سياجها العقيدة الإسلامية السمحاء. ولا شك أن نظرتنا تتلخص كما أعلنا في مؤتمر القمة الأول لمجلس التعاون الخليجي بأبوظبي بأن أمن المنطقة يحتل الأولوية في تفكيرنا ضمانا لاستقرار المنطقة وصونا لرفاهية شعوبها. وهذا يحدونا إلى التنسيق التام بين دولنا والتعرف على مكامن الخطر الذي يهددنا بصفة مباشرة أو غير مباشرة واتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية السيادة الإقليمية لمنطقتنا من عبث العابثين وطمع الطامعين. وأستطيع أن أعبر عن رضائي التام عن الخطوات التي تم اتخاذها في هذا المضمار خلال الفترة القصيرة الماضية ولا ننسى قول الشاعر العربي :
إذا كانت النفوس كبارا …. تعبت في مرادها الأجسام
المحرر: تردد أن سلطنة عُمان طرحت في قمة أبوظبي ورقة عمل خاصة بأمن الخليج هل في الإمكان إعطاء لمحة عن هذه الورقة وعن رأي السلطنة في الأمن الخليجي؟
السلطان: لقد بادرنا في مؤتمر قمة أبوظبي بتقديم تصور عن الأخطار التي تهدد منطقتنا وكيفية مواجهة هذه الأخطار . وقد تم مناقشة هذه الورقة في مؤتمر وزراء خاريجية دول المجلس الذي انعقد مؤخرا في المملكة العربية السعودية الشقيقة وقد كان هناك شبه اتفاق على مضامين هذا التصور . وقد أسهمت الدول الشقيقة بتصوراتها في هذا الاجتماع ولا زلنا نسعى لإيجاد التصور المثالي بشكل متكامل حيث أن الهدف لا يكمن في من يقدم ماذا.. وأنما في إيجاد صيغة عمل تحقق أهداف التعاون المنشودة التي لازلنا نرى أن تكون ركيزتها قوة رادعة.
القمة الخليجية
المحرر: يقول المراقبون إن في القمة الخليجية الثانية في الرياض مهمة جدا لأنها ستحدد السياسة الخليجية في كل المجالات ، فهل هذا صحيح؟ وما هو رأي جلالتكم ؟
السلطان:إن لقاءات الأشقاء إذا ما اتسمت بالصراحة والموضوعية تحظى دائما بالأهمية نظرا لما ينتج عنها من تصورات دقيقة للعمل الجماعي المشترك وقد تعودنا مع أشقائنا في الخليج على هذا النوع من اللقاءات بدليل أن التعاون بين دولنا قد حقق قفزة نوعية بتشكيل مجلس التعاون الخليجي وهذا في حد ذاته نعتبره إنجازا كبيرا نسعى لتدعيمه بالعمل الجاد المشترك لتحقيق أهدافه.
حلف عدن الثلاثي
المحرر:قام بين ليبيا وأثيوبيا واليمن الجنوبي شبه حلف..فما رأي سلطنة عُمان في ذلك؟ وهل ترى في الحلف الجديد خطرا على المنطقة ؟
السلطان: يؤسفني أن أقول : إن تصورنا للتوسع السوفيتي وأطماعه في منطقتنا قد أثبت صحته وإن الحلف الثلاثي ليس الا مؤشرا جديدا لتأكيد نية الاتحاد السوفيتي العدوانية ،ونحن هنا في عُمان لدينا الكثير من هذه الأدلة التي تتجسد في تدخله عن طريق وسطاء محليين في شؤؤن الدول الداخلية، الأمر الذي لا نستطيع أن نتجاهله.
التقارب العربي مع مصر
المحرر: ماهو رأي جلالتكم في ما حدث في مصر،هل يمكن اعتباره مؤشرا لعودة العلاقات بين مصر والدول العربية الأخرى؟
السلطان: بالرغم من أسفنا الشديد على حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات إلا أننا نعتبر ماحدث في مصر هو من الشؤون الداخلية لمصر التي نتمنى لها ولشعبها كل استقرار ورفاهية.. إننا كنا ولا زلنا نؤيد فكرة التعاون التام بين مصر والدول العربية نظرا لما سيكون لهذا التقارب من تأثير كبير على انتشال العمل العربي الجماعي من الضياع والتشتت. وإن حرصنا على مد الجسور بين الدول العربية جميعا ينطلق حرصنا على مصلحة أمتنا العربية التي لا تؤدي تجزئتها وانقسامها إلا إلى مزيد من التبعية والعودة بمنطقتنا العربية إلى مناطق النفوذ. وهو أمر نتجنبه ونعمل كل مافي وسعنا على ترسيخ مفهوم السيادة بمنظورها الحضاري الذي يتفاعل مع واقعه ولا يتخلى عن مبادئه شأننا في ذلك شأن الأمم الحية.
مشروع فهد
المحرر: أيدتم جلالتكم مشروع الأمير فهد لحل أزمة الشرق الأوسط. فهل تعتبر السلطنة هذا المشروع بديلا عن اتفاقي كامب ديفيد، وهل يعني تأييد السلطنة له تخيلها عن تأييد السياسة المصرية في هذا الخصوص؟
السلطان : لقد أيدنا مقترحات سمو الأمير فهد بن عبد العزيز لحل أزمة الشرق الأوسط لأننا رأينا فيها تجسيدا لتصورنا للحل السلمي الشامل والعادل، وهي بالتالي استكمال لكل مساعي السلام التي نرى ونؤمن بوجوب سلوكها لتحقيقي أهدافنا بإيجاد حل سلمي وعادل وشامل ويضع نهاية مشرفة لمآسي وآلام الشعب الفلسطيني الشقيق.
الخليج ودول الكتلة الشرقية
المحرر: طرحت الكويت فكرة تبادل العلاقات بين دول الخليج والاتحاد السوفيتي.. فما هو رأي سلطنة عُمان في الطرح الكويتي؟
السلطان: لقد تداولت وسائل الإعلام ما سُمي بمقترحات كويتية بالتبادل الدبلوماسي بين دول المنطقة والكتلة الشرقية إلا أننا هنا في عُمان لم نُبَلغ رسميا من قِبَل الأشقاء في الكويت بنيتهم هذه. وعلى كل حال فإن السلطنة تنظر إلى الأمور بمنظار يتجانس مع سيادتها الوطنية وموقعها الاستراتيجي وتلتزم بمبادئ التعايش السلمي التي تشترط حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والإحترام المتبادل لسيادة الدول.. ولا يفوتني أن أقول إن لنا علاقات دبلوماسية مع بعض دول الكتلة الشرقية كرومانيا التي تلتزم بنفس المبادئ التي نفهمها في تقرير سياستنا الخارجية.
الحرب العراقية – الإيرانية
المحرر:قبل سنة قامت حرب الخليج بين إيران والعراق، فهل تفكر دول المنطقة بمبادرة تنهي هذه الحرب؟
السلطان: إننا نأسف لاستمرار الحرب طيلة هذه المدة بين دولتين جارتين مسلمتين وشقيقتين. وكما أعربنا سابقا عن أسفنا لعدم حضور الشقيقة إيران المؤتمر الإسلامي في الطائف في بداية هذا العام، فإننا نأمل أن تحظى مساعي لجنة الوساطة المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي وتلك منبثقة عن دول عدم الانحياز بإيجاد تسوية تعيد الحقوق لأصحابها وتحقن الدماء المسلمة، ولا أظن أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتوانى عن القيام بمبادرة منها إذا ماطلبت أطراف النزاع منها ذلك.
المجلس الاستشاري
المحرر: جاء المجلس الاستشاري خطوة مهمة في تاريخ السلطنة لكن لو لوحِظ أن صلاحيته لا تتعدى قضايا التنمية الإقتصادية والاجتماعية..فلماذا لم يُعْطَ صلاحيات الخوض في القضايا السياسية ؟
السلطان: إن النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها عمان نعتبرها الأرض القوية التي ننطلق منها في تقرير خطواتنا السياسية والدفاعية وهكذا فإن دور المجلس الاستشاري يأتي في مرحلة تتطلب التخطيط التنموي السليم والمشاركة الجادة من أبناء هذا الوطن لترسيخ مسيرة الإنماء والتغيير الاجتماعي في هذا الوطن العزيز بشكل لا نفقد معه عراقتنا ولا يعزلنا عن واقعنا أو عصرنا ، وإن التطور التدريجي سواء كان من حيث المشاركة الأهلية أو التجاوب الحكومي مع هذه المشاركة لابد أن يمر بفترة تجريبية تقودنا إلى تجربة عُمانية أصيلة نهتدي بها إلى خطوات مستقبلية.
الأيدي العاملة في عُمان
المحرر: يُلاحظ رغم الكثافة السكانية في السلطنة، نسبة إلى بقية دول المنطقة استمرار الاعتماد على على الأيدي العاملة الأجنبية..لماذا؟
السلطان: لأننا لا زلنا نعتمد على المهارة الأجنبية لتحقيق مشاريعنا التنموية خصوصا وإن هذه المشاريع تستخدم التكنولوجيا المعاصرة وإن الحرمان الشعب العُماني في الماضي من توفر وسائل التعليم الحديث قد حالت إلى حدٍ كبير دون توفر القدرات العُمانية المؤهلة لتحقيق هذا الغرض. ولكن هذا لم يثنينا عن النظرة المستقبلية للمحافظة على أصالتنا ونقاء شعبنا انطلاقا من انتشار وسائل التعليم الأكاديمي والمهني في كافة أنحاء عُمان لرفع مستوى الأداء بين العمانيين وتأهيلهم لاحتلال الواقع التي يكتسبون المهارة في مجالاتهم . وإن القوى العاملة الأجنبية في عُمان هي بحكم عقود خدمة محددة لتأدية عمل معين لفترة معينة.
المحرر: يُلاحظ المراقبون وجود عدد كبير من العُمانيين في دول الخليج الأخرى يعملون وفي مجالات كثيرة خاصة القوات المسحلة والأمن الداخلي.. فهل ثمة تفكير في استعادة هؤلاء للمساهمة في تنمية وطنهم؟
السلطان: إننا نشعر بالرضى ونحن نرى العديد من العُمانيين يسهمون بأعمالهم في خدمة بعض الدول العربية الشقيقة وهو واجب وطني لا يقل عن مساهمتهم في تنمية وطنهم عُمان.
طموحات المستقبل
المحرر: بعد مرور أحد عشر عاماً على تسلم جلالتكم مسؤولية الحكم تحققت إنجازات ضخمة يعترف بها الجميع، فهل جلالتكم راضون عن التطورات خلال هذه الفترم أم تطمحون في تحقيق أكثر؟
السلطان: إن طموحنا بالرغم مما أنجزناه خلال العقد الماضي من مسيرتنا لا نستطيع أن نرسمه بالكلمات فهو نتاج لعراقة هذا البلد وتاريخها الأصيل واستشراف لعطاء هذا الشعب وشحذ لطاقاته التي نسعى لبلورتها وتوفير الوسائل الكفيلة بتطويرها لتلعب عُمان دورها بين شقيقاتها العربيات والمؤسسات الدولية المختلفة للإسهام في نوفير الرخاء والاطمئنان في عالمنا المعاصر.
جامعة السلطان قابوس
المحرر:هل يمكن الاستفسار عما حدث نسبة إلى الجامعة التي وعدتم جلالتكم في نوفمبر 1980 بإنشائها،وهل بدا التحضير لإقامة هذه الجامعة؟
السلطان:لقد أصدرنا قرارا بتشكيل هيئة تأسيسية للجامعة برئاسة وزير التربية والتعليم، كما أُعدت الخطوات الأولى الأساسية لبناء الجامعة والعمل جار على البدء في العديد من الكليات التي نحتاج إليها في مسيرتنا التنموية لتأهيل الكوادر العُمانية، وستحظى الكليات العلمية بشكل خاص بالاهتمام اللازم نظرا لحاجتنا الماسة إلى المهندسين والأطباء لخدمة هذا الوطن الحبيب.
لا نرضى عن السيادة بديلا
المحرر: يتساءل الكثيرون عن جزيرة مصيرة، وقاعدة السيب وميناء ريسوت.هل صحيح أنها وُضِعَتْ تحت إشراف الأمريكيين، وهل لهؤلاء وجود عسكري هنا؟
السلطان: لقد استُهدِفْنَا دائما من قِبَل الإعلام المعادي لتشويه مواقفنا وترجمة خطواتنا بشكل يخدم العدو ويزيد في تقسيم أمتنا العربية . لكن هذا لن يثنينا عن رؤيتنا الصادقة للأمور واستمرارنا في مسيرتنا التي لا نرضى فيها عن السيادة بديلا، كما أن التبعية لن تكون مصيرا وأحب أن أؤكد هنا،كما أكدنا من قبل أنه لا وجود على الأرض العُمانية لأية قوة إلا القوة العُمانية ، وإننا الآمرون وحدنا على هذا التراب الغالي الذي نحمل شرف الدفاع عنه والزود عن استقلاله وإن هذه الاستراتيجية ستكون هي النبراس الوحيد الذي نستنير به في علاقتنا الدولية واختيار أصدقائنا.
قواتنا سند للأشقاء
المحرر: ما هو تقويم جلالتكم للقوات المسلحة العُمانية التي يُقال إنها أكثر القوات في المنطقة تدريباً وقوةً قتالية ، فما هو رأي جلالتكم؟
السلطان:إن قواتنا المسلحة وهي تحمل شرف الانتصار الذي حققته ضد عصابات الشر والطغيان ومن ورائها شعبنا العُماني الأبي لن تكون إلا سندا دائما للأشقاء وقوة رادعة للمعتدين.
الخليج واوروبا
المحرر: ثمة اتجاه خليجي بالعتماد على اوروبا مستقبلا حتى لا تقع المنطقة بين رحى القوتين العظميين ، فما رأي جلالتكم في ذلك؟
السلطان:لا زال الحوار العربي في مراحله الاولى بالرغم ان العلاقات الثنائية بين الدول العربية والدول الاوروبية قد قطعت اشواطا متفاوتة . وإننا نسعى إلى تقوية علاقاتنا مع دول العالم دون ان تكون علاقاتنا مع دولةٍ ما على حساب علاقاتنا مع دولة اخرى.
الخطر السوفييتي
المحرر: هناك نظرية تقول ان الخطر على الخليج هو صهيوني لا سوفييتي خاصة بعد ضرب المفاعل النووي العراقي، ماقول السلطنة في ذلك؟
السلطان:لقد قلنا دائما ان الدعم السوفييتي لإسرائيل لا يقل في حجمه عن الدعم الغربي لإسرائيل فالاتحاد السوفييتي يزود إسرائيل بالقوة البشرية المدربة والغرب يمدها بالسلاح ، والأخطار التي تهدد منطقة الخليج لا زالت محور البحث بين دول المجلس، وسعينا للتعرف على إمكانية الخطر الذي يتهدد أمننا وسيادتنا بالتعاون مع أشقائنا سيكون حثيثاً. وقد أدنا بعنف ضرب المفاعل النووي العراقي وأعلنا تجاوبنا مع الجمهورية العراقية الشقيقة للاحتفاظ بحقها في الرد على هذا الاعتداء بالطريقة التي تراها مناسبة.
المحرر: ماهي المعلومات عن التواجد السوفييتي في جنوب اليمن، وهل صحيح أن للسوفييت قواعد للغواصات النووية وإن لهم وجودا عسكريا كثيفا وقواعد جوية وبحرية؟
السلطان: إن التواجد السوفييتي في اليمن الجنوبي لم يعد بحاجة إلى معلومات تُجمع من هنا وهناك. وأن الحقيقة التي لاجدل فيها هي أن اليمن الجنوبي قد أسند الاتحاد السوفييتي إليها أن تلعب دور هانوي في الجزيرة وأن نداءنا للتضامن والتعاون الأمني بين دول الجلس ينطلق من تقييمنا لخطر الوجود العسكري السوفييتي في اليمن الجنوبي حتى لاتتحول الجزيرة العربية إلى هند صينية أخرى .وأحب أن أؤكد أننا سنستميت في الدفاع عن هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير والحفاظ على سيادته الوطنية.