جريدة عُمان
4 أبريل 1985
في حديث هام وشامل تناول جلالة سلطان البلاد المفدى الأوضاع الخليجية والعربية والدولية الراهنة بكل العمق والتحليل وطرح تصورات عُمان التي عودت العالم على إعلانها بكل صراحة ووضوح.. حديث يؤكد حيوية السياسة العُمانية وتفاعلها مع الأحداث وشمول الإدراك الذي يميز فكر جلالة جلالة القائد.. الحديث تنشره مجلة ( المصور المصرية) الواسعة الانتشار في عددها الصادر اليوم وفيما يلي نصه: ميزة الشعب العُماني أنه يستند إلى هذا التراث الحضاري الضخم لشعب تكاتفت ظروف عديدة على أن يعيش مؤخرا في عزلة مخيفة حتى جاء قابوس ليعيد لعُمان مجدها القديم.. مهد الطرق وخطط المدن وفتح المستشفيات وأقام المدارس والفنادق وعلم البنات وزرع الحدائق وفرض النظام وحقق الاستقرار وأقام دولة حديثة فرضت احترامها وهيبتها على المواطنين لا برادع القوة ولكن بسبيل الإنجازات التي تتابع كل يوم . استطاع قابوس رغم دخله المحدود من عائدات النفط أن يكسب احترام جيرانه وأن يكون عضوا بارزا بين دول الخليج الواسعة الثراء.
عندما تولى قابوس بن سعيد الحكم كانت عُمان شيئا مجهولا على خريطة التخلف العربي.. وكان التمرد المسلح يأكل الاستقرار في أكثر ولاياتها غنى ظفار حيث يسقط المطر وينبت العشب ويخضر المرعى.. وما أظن أن حاكما استطاع بالحوار والإنجاز المتواصلين أن يسحب البساط من تحت أقدام التمرد لتصبح الثروة غير ذات موضوع مثلما فعل قابوس.
لساعتين امتد حواري معه في قصره المطل على مياه المحيط في صلالة حيث يحب ان يقضي معظم أوقاته يتابع شؤون دولته حتى أدق التفاصيل.. تحدثنا في الحرب العراقية – الإيرانية وفي أمن الخليج وفي علاقات دولته.. تحدثنا حول أزمة الشرق الأوسط والعلاقات المصرية العُمانية .. وفي حديثه كان قابوس مزيجا رائعا يجمع بين تراث العُمانيين وروح العصر ولعلها السمة الأولى التي استطاع أن يضيفها على دولته الحديثة.. يلمسها القادم إلى مسقط منذ الوهلة الأولى عندما يرى شوارع المدينة بعمائرها الضخمة الحديثة وقد اكتست الطابع المعماري القديم لقصور سلاطين عُمان أيام مجدها السالف.
الحرب العراقية – الإيرانية
المحرر:جلالة السلطان.. كنتُ أود أن تكون زيارتكم القادمة لمصر في نهاية إبريل الحالي هي بداية حديثنا ولكن التطورات الأخيرة في حرب العراق وإيران لا تعطي لأحد فرصة الاختيار.. لقد انتقلت الحرب من اشتباكات الحدود إلى حرب الناقلات إلى تصعيد مفاجئ لابد وأن تكون له آثاره على دول الخليج خصوصا وأنه ليس هناك في الأفق مايشير الآن نهاية قريبة لتلك الحرب غير المبررة.
جلالة السلطان: للأسف لا يبدو بالفعل أن هناك ما يشير حتى الآن إلى نهاية قريبة لهذه الحرب الضروس.ومع ذلك فليس أمامنا سوى أن نسعى وأن نجرب كل شيء ممكن من أجل إيقاف هذه الحرب على الأقل حتى لا يُقال أننا جلسنا متفرجين بينما النار تأكل أطراف ديارنا.. مشكلتنا هنا في منطقة الخليج أن العراق يرى – وربما يكون معه بعض الحق في رؤيته – أن الواجب العربي يملي علينا أن نسانده دون تحفظات وبصرف النظر عن النتائج. على حين يرى الجانب الإيراني أننا بسبب الانتماء العربيلاغير مؤهلين لدور الوساطة مهما يكن سعينا إلى تبني وجهات نظر موضوعية في هذا الصراع العقيم.. لقد نجحت دول الخليج برغم حرج موقفها في حصار الحرب ومنع توسيع نطاقها. ولكن جهودنا في الوساطة لم تسفر حتى الآن عن أية نتائج ملموسة.. وربما كان الشيء الوحيد الذي تحقق هو إعلان العراق استعداده المستمر لقبول التفاوض بدلا من الحرب.. لقد سافر أخيرا وزير السعودية والكويت الأمير سعود الفيصل والشيخ صباح الأحمد مفوضين من مجلس التعاون الخليجي إلى الجزائر في محاولة لتنشيط الدور الجزائري كوسيط مقبول من الجانب الإيراني. لكن المشكلة أن إيران لا تزال تصر على شروط مسبقة يصعب على العراق بل يستحيل عليه قبولها.. وأظن أن وراء التصعيد الأخير بواعث عديدة لعل أولها إحساس العراق أخيرا بأن إيران تجره إلى نوع من حرب الاستنزاف التي تستهدف قوته البشرية خصوصا وأن العراق يملك الآن قدرا من التفوق العسكري على حين ترى إيران أن مكمن تفوقها المحتمل هو في استنادها إلى تعداد سكاني ضخم يمكنها كثافة أكبر في الطاقة البشرية التي يستهلكها المجهود الحربي وربما كان من بين عوامل التصعيد الأخير محاولة لفت الأنظار مرة أخرى إلى خطورة استمرار الحرب بعد أن تضاءل اهتمام العالم بها. ولعل العراق أراد بهذا التصعيد أيضا أن يجهض محاولة جديدة لهجوم واسع كانت تستعد له طهران وكانت بغداد تتوقعه.. وفي كل الأحوال فإنه يبدو أن استمرار الحرب فرصة لأطراف عديدة مستفيدة ومن مصلحتها استنزاف قوى الجانبين في النهاية.
إن النظرة الموضوعية إلى الحرب العراقية – الإيرانية تملي علينا قدرا من حياد الرؤية وتملي علينا الإبقاء على فرص الحوار مع طهران مهما تضاءلت أمامنا في ذلك .. وأظن أن الفرس كانوا في هذا المكان منذ الأزل وسوف يظلون مثلما كان العراق ومثما كان وجودنا كدول أو مجتمعات خليجية.. لقد كنا جميعا في هذا المكان وسوف نبقى .. تلك هي الحقيقة الأكيدة التي لا ينبغى أن تحجبها عن الرؤية سحب الحرب الداكنة التي تتجمع فوق منطقة الخليج خصوصا وأن أيا من الجانبين لا يملك بعد قدرة الحل العسكري للموقف.
الخطر يتعلق بالداخل أساساً
المحرر: جلالة السلطان.. العالم كله يتحدث عن المخاطر المحدقة بأمن الخليج وأظن أن ذلك هو الموضوع الأساسي والمستمر على جدول أعمال مجلس التعاون الخليجي.ومايثير الانتباه في هذا الصدد انه لا يبدو حتى الآن أن هناك اتفاقا كاملا في المفاهيم بين كل الطراف المعينة على طبيعة المخاطر المحدقة بهذه المنطقة التي تتركز فيها أضخم ثروة بترولية في العالم.. والتي يبدو أن قدراتها الذاتية لا تمكنها بعدُ من الوفاء بمتطلبات الدفاع الكامل عن هذه الثروة.. هناك الخوف من إسرائيل، وهناك الخوف من السوفييت بعد أن أصبح لهم موطن قدم في أفغانستان.. وهناك أيضا خطر انتشار الحرب العراقية – الإيرانية واحتمال توسعها.. جلالة السلطان ماهي رؤيتكم إزاء هذا الاختلاف في المفاهيم؟ وكيف ترون طبيعة المخاطر الراهنة هلى الأمن الخليجي؟
جلالة السلطان: لا أكتمك الصراحة نحن لا نظن أن خطرا حالا من الخارج يهدد أمن الخليج بطريقة مباشرة ربما يحمل انتشار الحرب العراقية – الإيرانية واتساع مداها في طياته بعض الخطر ولكننا نرى أن الظن إلى أمن الخليج من منظور الحرب العراقية – الإيرانية وحدها ربما لايكون النظرة الصائبة والمتكاملة.. بعض من دول الخليج يروج لفكرة بناء قوات مشتركة تكون تحت إمرة قيادة واحدة وتكون على استعداد دائم للانتقال السريع إلى أي من دول الخليج عند الحاجة، والبعض الآخر يذهب في حماسه إلى حد التفكير في حلف عسكري بين الول الخليجية على نمط حلف (الناتو) (الاطلنطي) أو حلف (وارسو). واظن ذلك لا ينطبق مع وجهات نظر مشقط.. إن نظرتنا أن نتدرج في التنسيق بين دول الخليج على المستوى الدفاعي طبقا لأولويات محددة ولقدرات دوله المختلفة على استعياب خطوات التنسيق المشترك.. لقد كنا دائما أنصار النظرة الواقعية والموضوعية التي لا تقفز على مصاعب الواقع أو تتجاوزها.. وأظن أنه يكفينا في المرحلة الراهنة .. اولا – أن تسعى كل دول الخليج إلى تقوية دفاعها وقدراتها العسكرية على الأقل لكي لاتكون لقمة سائغة للآخرين ثم التنسيق المشترك بين دول الخليج وتبادل الآراء والمعلومات ولا بأس من التدريبات المشتركة والاتفاق على الخطط والخطط البديلة. ولكي يكون حديثي صريحا معك حتى النهاية .. فإنني أقول هنا في مسقط لا نظن أنه مما يفيد أمن الخليج أن تشعر إيران بأننا بصدد إنشاء حلف عسكري عربي يناصبها العداء إلى الأبد أو إننا بصدد تشكيل قوة مشتركة هدفها الأساسي الحرب مع إيران .. لأنني كما قلت مسبقا هم موجودون ونحن موجودون وفي النهاية ومهما طالت الحرب العراقية – الإيرانية لا بديل عن التعايش السلمي بين الفرس والعرب ولا بديل عن قدر من التوافق في مصالح المنطقة ككل.
إنني أعتقد اعتقادا جازما أن الخطر على الخليج يكمن في محاولة زعزعة استقراره من الداخل بتصدير الإرهاب إلى داخل دوله.. إن محاولة تقويض الأمن الداخلي لدول الخليج ربما يكون الهدف الأكثر توقعا.. خصوصا وأن تقويض الأمن الداخلي يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه لعوامل التدخل الخارجي.. إنني أعتقد أن ذلك هو مكمن الخطر الأول بل لعل ذلك هو مايدخل في احتمالاتنا رغم أن مسقط أكثر دول المنطقة استقرارا وتوازنا.
إيران لن تغلق المضيق إلا في اليأس
المحرر: جلالة السلطان.. هل يصدق هذا القول على مضيق هرمز وقد تعرض للتهديد بالإغلاق أخيرا عندما تصاعدت حرب الناقلات قرب (جزيرة خرج) حيث يجري تصدير البترول الإيراني؟
جلالة السلطان: لا أعتقد أن هناك خططا إيرانية لإغلاق المضيق ما لم تصل الأمور في إيران إلى حد اليأس.
لم نمنح الأمريكيين قواعد
المحرر : فيما إذا كان الاتفاق مع الجانب الأمريكي على منحهم بعض القواعد في مسقط خصوصا ( مصيرة)
جلالة السلطان: ليس صحيحا أننا منحنا الأمريكيين قواعد في (مصيرة) أو في أي مكان آخر من مسقط.. لقد كان كل الذي منحناه تسهيلات بحرية وجوية يتم استخدامها بناء على طلب من أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي إذا رأت هذه الدول أنها تتعرض لتهديد مباشر ليس في وسعها مواجهته من خلال قواها الذاتية.
لماذا الأغلبية وليس الإجماع؟
المحرر: جلالة السلطان.. ولماذا اشترطتم الأغلبية ولم تشترطوا الإجماع؟
جلالة السلطان: لأننا لا نريد أن نعلق كل القضايا على شرط يصعب تحقيقه.. إن قضية الإجماع هي التعوق العمل العربي المشترك ولا أظن أننا نكون قادرين على فعل شيئا ليس على مستوى دول الخليج العربي وحدها ولكن على مستوى الدول العربية جميعا إذا اشترطنا الموافقة الجماعية لكل الدول العربية.
الفارق بين القواعد والتسهيلات
المحرر: جلالة السلطان.. عفوا عدتُ مرة أخرى إلى قضية القواعد.. ماهو الفارق في منظوركم بين القواعد والتسهيلات؟
جلالة السلطان: القواعد تعني وجودا عسكريا أجنبيا دائما على أرض الوطن بعيدا عن سلطة القرار الوطني. أما التسهيلات فتعني طبقا لا تفاقنا مع الجانب الأمريكي تيسير المرور أو التواجد المؤقت لمهمة موقوتة وفي ظروف محددة.. وبناءً على طلب أغلبية دول مجلس التعاون أكدنا في الاجتماعات الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي أن عُمان لن تتصرف بمفردها إذا ما أصبح الخطر محدقا بمضيق هرمز.
إنني أود هنا أن أزيح الستار عن واحد من أسباب هذه الاتفاقية .. لقد كانت ظروف الموقع الاستراتيجي لعُمان على حساب الأخطار المحتملة مهما تكن بعيدة الآن تملي على عُمان ضرورة توسيع منشآتها وممراتها ومطاراتها العسكرية.. ولقد طلبنا بالفعل من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي مساعدة مسقط على ذلك خصوصا وأن مواردنا النفطية المحدودة جدا بالقياس إلى موارد الأشقاء.. كانت توسعات تتطلب ما يقرب من ملياري دولار.. واعتذر معظم الأشقاء على حين أبدى الجانب الأمريكي استعداده لتمويل هذه المشروعات.. وهكذا تم الاتفاق على قضية التسهيلات.
حق عُمان في طلب التسهيلات
المحرر: جلالة السلطان قابوس.. أليس من حق عُمان وحدها طلب هذه التسهيلات بصرف النظر عن موافقة الأغلبية؟
جلالة السلطان: في حالة واحدة فقط عندما يتهدد عُمان خطر جسيم وضخم لا تقوى على مواجهته بمفردها أو بمعاونة أشقائها وبوضوح أكثر عندما يتهدد عُمان خطر من قوة عظمى وأظن أن هذا الخطر غير متوقع وندعو الله ألا يكون.. إننا ننتهج في علاقاتنا الدولية الراهنة موقف الحياد من كل دول العالم وإن كان لنا صداقتنا الخاصة مع الولايات المتحدة.
الإرهاب مرة أخرى
المحرر: جلالة السلطان.. اعود مرةُ أخرى إلى موضوع الإرهاب .. إن لهذا الموضوع فيما أعتقد علاقة بأفكار الإيرانيين عن تتصدير الثروة إلى الخليج اعتمادا على بعض الطوائف أو الحجم النسبي المؤثر لبعض السكان من اولي الأصل الإيراني أو ممن يعتنقون المذهب الشيعي؟
جلالة السلطان: من حق الإيرايين أن يقولوا ما يشاؤون ولكن ليس من حقهم أن يفرضوا على الآخرين رؤياهم .. وأظن أن العلاقات بين طوائف المسلمين في مسقط إنما تقوم على الاحترام المتبادل بين كل المذاهب فشيعة عُمان مسلمون أنقياء ومواطنون صالحون وهم يمارسون شعائرهم في حرية واحترام كاملين.. لقد تعايشت هذه المذاهب في تواد وتراحم في معظم مناطق الخليج ولم تفلح أية محاولات عديدة سابقة من أجل استغلالهم بدعاوى يبرأ منها الإسلام . لأن جوهرها يعبر عن روح الإسلام. إنه دين العقل الذي لم يغلق أبدا باب الاجتهاد لكي يبقى المسلمون دائما على وفاق مع عصرهم.. وللأسف فإن البعض يريد للإسلام الجمود وللمسلمين التخلف عن روح العصر.. هؤلاء فيما أعتقد لا يخدمون الإسلام وإنما يخدمون أهدافا أخرى غريبة عن الإسلام وليست في صالحه..
العلاقات مع السوفييت
المحرر: جلالة السلطان.. تروج الأنباء أخيرا عن رفض مجلس التعاون الخليجي لاقتراح تقدمت به دولة خليجية شقيقة من أجل إنشاء علاقات دبلوماسية نع الاتحاد السوفييتي.. ما هي وجهة نظر عثمان في ذلك خصوصاً وإن لعُمان الآن علاقات وثيقة مع الصين؟
جلالة السلطان: لم يحدث أبدا أن عرض أي من الأشقاء الخليجيين هذا الموضوع على اجتماعات مجلس التعاون الخليجي.. وهذا الموضوع فيما أعتقد يخص كل دولة على حدة.. وما من دولة خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع السوفييت باستثناء الكويت وأظن أن قضية العلاقات مع السوفييت ليست موضوعنا حالا. إن سياستنا تقوم على أساس الحياد مع كل قوى العالم وإن كانت لنا علاقاتنا الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وفيما يخص عُمان فأعتقد أن مثل هذه الخطوة ينبغي أن يتم اختيار توقيتها المناسب.. علاقاتنا مع الصين علاقة وثيقة تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وأظن أن الصين من واقع تجربتنا الطويلة معها احترمت اتفاقها والعلاقات بيننا تسير باستقامة ووضوح رغم اختلاف النهج السياسي بين البلدين.
العلاقات مع عدن إلى أين؟
المحرر: جلالة السلطان..يدخل ضمن أمن الخليج العلاقات الثنائية بين دوله.. إنني أود أن أسأل هنا عن علاقاتكم مع عدن.. لعشر سنوات والحوار مستمر بين البلدين من أجل تطبيع علاقاتهما برغم اختلاف الخيارات السياسية لكل منهما.. والآن هناك بعض التخوف من أن تؤدي عودة عبد الفتاح إسماعيل من غيبته الطويلة في موسكو وتوليه أمانة اللجنة المركزية للحزب الحاكم في عدن إلى نوع من التشدد ليعود التوتر مرة أخرى إلى علاقات البلدين؟
جلالة السلطان: لا أعتقد أن ذلك أمرا واردا وبغض النظر عمن يحكم الآن في عدن أو في مسقط فإن لدينا قناعة مشتركة بضرورة التعايش وحسن الجوار ولعلني أقول إننا راضون تماما عن نتائج حوارنا الذي أثمر اتفاقا كاملا على أن تكون علاقات البلدين بعيدا عن تدخلات أصدقائهما… للأتحاد السوفييتي علاقاته المتميزة مع عدن ولنا علاقاتنا الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية .. ومع ذلك فقد اتفقنا على أن يكون هؤلاء الأصدقاء بمنأى عن ساحة العاصمتين بعد أن كان يجري على أرض طرف ثالث. اتفقنا على تسهيل المرور الجوي لخطوط الطيران المدني فوق سماء البلدين. وأظن أن الوقت لن يتأخر طويلا قبل أن تتبادل عدن ومسقط التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء.. إننا الآن في المرحلة الأخيرة من إجراءات هذه الخطوة التي يمكن أن تتم في غضون فترة وجيزة قد لا تتجاوز إبريل..
العلاقات مع الإمارات
المحرر:جلالة السلطان..تروج الأنباء الآن عن خلافات حادة تحت السطح بين مسقط والإمارات حول بعض مشاكل الحدود بين البلدين؟
جلالة السلطان: المشكلة تعود في الأصل إلى عشر سنوات سابقة عندما وقع الخلاف مع الإمارات حول تخطيط بعض مناطق الحدود.. كما اكتفت الإمارات بتقرير بعثة بريطانية جاءت لتخطيط الحدود بين البلدين وتمسكت مسقط بتقرير بعثة بريطانية أخرى جاءت لنفس المهمة واعترضت على تقرير البعثة الأولى.. ونحن نعرف أن البريطانيين كانوا يبنون تصوراتهم للحدود في المناطق التي كانت بحوزتهم على أساس عدد من الاعتبارات يدخل فيها قسمة القبائل وامور أخرى.. وقبل أسابيع قليلة اتفقنا مع الإمارات على أن نناقش مشاكل الحدود بين بلدينا بإدراك نابع من طبيعة المشاكل المثارة على أرض الواقع بصرف النظر عما قررته اللجنتان البريطانيتان ولقد استطعنا أن نصل بالفعل إلى حلول وسط كل المشاكل تقزم على الأخذ والعطاء والتفهم الواقعي لطبيعة المشاكل المثارة .. والآن أستطيع أن أعلن أنه لم يعد هناك أية مشكلة مثارة مع الإمارات حول قضية الحدود.. ولعلني أقول إن مسقط كانت أكثر تسامحا وحرصا على علاقات تتجاوز حسن الجوار إلى علاقات الأهل والأصهار.
الاتفاق الأردني الفلسطيني
المحرر:جلالة السلطان..أود أن أنتقل بالحديث الآن إلى أزمة الشرق الأوسط.. قلتم في حديث أخير إلى رئيس تحرير صحيفة الأهرام ولم يكن الاتفاق الفلسطيني الأردني قدر خرج إلى الوجود بعد.. إننا لا نستطيع كعرب أن نتوقع من الآخرين أكثر مما نتوقعه من أنفسنا، وما من شيء يقنع الأمريكيين بضرورة اتخاذ موقف أكثر جدبة من قضية الشرق الأوسط قبل أن يتفق الفلسطينيون والأردنيون.. لقد اتفقوا بالفعل يا جلالة السلطان.. ومع ذلك فإننا نلحظ بعض الفتور إزاء الاتفاق الذي لا يستطيع أحد أن يتجاهل أهميته باعتباره أحد المتغيرات الأساسية على ساحة الشرق الأوسط..
جلالة السلطان: لقد باركنا في مسقط هذا الاتفاق ليس فقط لأنه يسقط الأعذار التي كان يتعلل بها من يريدون تعويق مسيرة السلام العادل وإنما أيضا أول اتفاق فلسطيني أردني للمرة الأولى يتفق الفلسطينيون والأردنيون على أسلوب محدد بالعمل المشترك من أجل القضية الفلسطينية وأظن أن ذلك مكسبا هاما لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهميته.. لقد كنتُ أرى دائما وقد أعلنت هذا الرأي مرارا. كنتُ أرى أن هناك قضيتين لا ينبغي الخلط بينهما؛ القضية الأولى تتعلق باسترجاع الأراضي التي جرى احتلالها في حرب 1967 لقد جرى احتلال هذه الأراضي وقت أن كانت مع الأردن ومن ثم فلابد أن يكون الأردن طرفا في إعادتها.. والقضية الثانية قضية التصرف في مصير هذه الأراضي بما يحقق للفلسطينيين حقم في تقرير المصير سواء اكان ذلك في دولة مستقلة ترتبط بإطار فيدرالي أو كونفيدرالي مع الأردن.. لقد أوقعنا الخلط بين القضيتين في مشاكل عديدة وضيع علينا الكثير من الوقت وأتاح للآخرين فرصة تعويق جهود السلام وتكريس الأمر الواقع.. حسن أن عادت الأمور خيرا إلى منطقها الصحيح والطبيعي وحسن أن يسود العقل مواقفنا وإن جاء ذلك في فترة متأخرة بعض الشيء ومع ذلك فلقد كنتُ أود مع قناعتي بأن الاتفاق يستحق الاهتمام الكامل مع الولايات المتحدة شريك السلام في الشرق الاوسط.. كنتُ أود لو أن الجانبين الفلسطيني والأردني قد أعلنا استعداد وفدهما المشترك لقبول التفاوض مع الأطراف المعنية في إطار مبادئ محددة ومعلنة.. كنتُ أرجو أن يعلن الوفد الفلسطيني الأردني المشترك استعداده لكل صور الحوار بما في ذلك الجلوس على مائدة واحدة الأطراف الأخرى وقبول التفاوض المباشر على أساس الاعتراف المتبادل وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي جرى احتلالها بعد عام 1967.. أعتقد أن الوفد الفلسطيني الأردني سوف يختصر الكثير من الوقت لهذا الإعلان فضلا عن أنه يضع الأطراف الأخرى في مأزق حقيقي إذا لم تكن جادة في أهدافها ونواياها ومع ذلك فإن ما حدث يمثل خطوة هامة ماكان ينبغي لواشنطن أن تتلقاها بهذا الفتور.. على كل نحن نلحظ الآن بعد رحلة الرئيس مبارك تحركا في الموقف الأمريكي وأعتقد أن واشنطن تدرك الآن أن عدم اكتراثها بهذا الاتفاق يعرض مصداقيتها لخط التآكل كما أنه يزيد من فرص إحياء العنف اليائس في المنطقة.. إنني لا أزال على قناعة بأن الرئيس الأمريكي ريجان سوف يفعل شيئا في قضية الشرق الأوسط وأعتقد أنه مؤهل لهذا الدور أكثر من أي رئيس أمريكي سابق فهو يقضي فترة رئاسته الثانية متحررا من قيود وضغوط العملية الانتخابية وهو قد جاء إلى البيت الأبيض مرة بانتصار كاسح لا تشكل أصوات اليهود عاملا مؤثرا في إحرازه.
لماذا التفكك العربي؟
المحرر: جلالة السلطان.. لقد كنا نتصور قبل سنوات محدودة أن أمتنا العربية مؤهلة لأن تكون قوة خامسة في عالمنا بعد العملاقين وبعد الصين وبعد أوروبا.. وكنا نتصور على أسس واقعية إمكانية أن يكون العرب طرفا مؤثرا في عالمنا الراهن استنادا إلى حقائق جغرافية واقتصادية .. والآن قد اندثرت هذه الآمال جميعا وإذا بالعرب مفككون غير قادرين حتى على الاتفاق على الحد الأدنى لمصالحهم وإذا بهم في موقع الانتظار بدلا أن يكونوا طرفا فاعلا في الموقف.
جلالة السلطان: تلك هي مأساتنا بالفعل لقد بددنا فرصة تاريخية يصعب تكرارها وما أظن أن سببا حقيقيا وجادا كان يحول دون استمرار تضامننا واتفاقنا ولو على المبادئ والخطوط العريضة.. إن مكمن المشكلة مهما جاهد البعض في إخفائها خلف الصيغ الرنانة أو الشعارات البراقة أن البعض يتصور أن هناك فرصة لزعامة العالم العربي في غيبة مصر غير المبررة.. البعض يريد أن يتزعم..هذا هو سر بلائنا وتفككنا.. ولكن المشكلة أن هؤلاء لا يدركون أن عصر الزعامات قد انتهى .. مصر ذاتها تقول الآن إن الأوضاع قد تغيرت واختلفت وأنها لا تنشد زعامة أو دورا قائدا وإنما تنشد تضامنا بين أطراف متكافئة ومن مسؤوليات متكافئة. وأظن أننا لو استوعبنا فكرة الأدوار المتكاملة بدلا من الزعامة أو فكرة الدور القائد لوجدت كل دولة عربية الصيغة المعقولة للتضامن والتنسيق المشترك.. لماذا لا نقول دعونا نكمل بعضنا البعض بدلا من أن تشتت جهودنا وراء هذا الغير صحيح وهو زعامة العالم العربي.. لقد كانت نتيجة ذلك.. المزيد من الانقسام والاستقطاب والفرقة وضياع المسؤولية القومية فإنني أقول دائما إن أزمة الأمة العربية إنما تنبع من داخلها بأكثر من أن تكون مفروضة عليها.
زيارة جلالة السلطان لمصر
المحرر: جلالة السلطان.. أود أن أسألكم أخيرا عن زيارتكم القادمة لمصر.. لماذا جرى ترتيبها في 27 إبريل موعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء؟
جلالة السلطان: لقد كنت أحس قبل فترة بضرورة اللقاء مع أخي الرئيس حسني مبارك خصوصا وأن وقتا طويلا قد مضى على لقائنا الأخير.. كنتُ أحسُ أنه قد جاء الوقت الذي لا ينبغي أن أتأخر بعده عن لقاء صديق تربطنا به أصر علاقات المودة والأخوة واخترنا يوم 26 إبريل موعدا لهذه الزيارة لكي نشارك في مناسبة كريمة هي افتتاح خط العبارات الذي يربط بين ميناء العقبة الأردني وميناء نويبع المصري على خليج العقبة والذي يشهده الملك حسين عاهل الأردن.. وأعتقد أن الفرصة سوف تتهيأ لنا في العقبة كي نعقد اجتماعا ثلاثيا نناقش فيه قضايا أمتنا خصوصا قضية الشرق الأوسط والحرب العراقية – الإيرانية .
بخصوص العلاقات الثنائية بين مصر ومسقط فلستُ بحاجة إلى أن ادلل على أن العلاقات قد بلغت أوج كمالها وتمامها خصوصا على المستوى الرسمي وجهدنا من الآن فصاعدا ينبغي أن يكرس لكي نحفز الشعبين على توثيق علاقاتهما على المستوى الشعبي خصوصا وأن روابط حضارية عديدة تربط بين مصر ومسقط رغم فارق الحجم والدور.. لقد كان لمصر دورها الحضاري على مستوى الإنسانية جمعاء منذ فجر التاريخ وأظن ان عثمان لعبت هي الخرى دورا مؤثرا في الحضارة العربية استمر حتى قرون قريبة.. لقد كنت مصر ترعى على الباب الشمالي لأمتها العربية مسؤولية حماية قناة السويس خدمة للملاحة العالمية وكنا نرعى على الباب الجنوبي للأمة العربية مسؤولية حماية مضيق هرمز حمايةً للملاحة العالمية.
وأظن أن عُمان قد لعبت دورا أساسيا في أن تكون جسرا للثقافة والدين الإسلامي في عدد من دول جنوب شرق آسيا مثلما لعبت مصر دورا اساسيا في نقل الثقافة والدين الإسلامي إلى عدد من دول إفريقيا.. إن مصر شيء عزيز على كل عُماني وعندما قررت عُمان أن تحافظ على علاقاتها مع مصر رغم صيحات الغضب والانفعال من جانب بعض الأشقاء العرب قد كنا نقدم النظرة الموضوعية على عوامل الانفعال الطارئ.. وكنا لا نزال نعتقد أن مصر لم تفرط أبدا في مسؤولياتها القومية وكنا ولا نزال نعتقد أن الشعب المصري الذي دفع التضحيات الغالية لنصرة قضايا أمته دماءً زكيةً وأموالا.. هذا الشعب ينبغي الا يلقى الجحود من أمته إذا ما رأى أن من حقه أن يجرب طريق السلام العادل ولقد أثبتت التجربة على مصاعبها أنه يمكن بالمفاوضات وبالطرق السليمة أن تتوصل الأطراف إلى حلول أفضل من الحلول التي يمكن أن تصل فيها عن طريق الحرب والدمار إنني سعيد بزيارتي القادمة لمصر والتي سوف يتبعها زيارة أخرى للأردن.