جريدة عُمان
18 ديسمبر 1983
تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم فأدلى بحديث هام وشامل لمجلة ( ديفنس آند دبلوماسي الأمريكية) تناول فيه عددا من القضايا المحلية والعربية والعالمية. وقد قدم له رئيس التحرير بأن مجلته تتشرف بنشر هذا الحديث الهام مع جلالة السلطان قابوس المعظم الذي يتمتع فيه برؤية استراتيجية عميقة للقضايا والأحداث التي تدور في عالمنا).
وحول سؤال العاملة الأجنبية في سلطنة عُمان… وهل يمكن لهذا الاعتماد أن يؤثر على الأمن الداخلي؟ وهل هناك خطط لتعمين هذه العمالة؟
أجاب جلالته قائلا: (يساهم الخبراء المتواجدون بيننا مساهمة قيمة في مجال تنمية بلادنا وهم لا يؤثرون سلبا على الإطلاق في مجال أمننا الداخلي لأننا أولا: نختار العاملين معنا اختيارا جيدا.. وثانيا ليست هناك أية عوامل تدفع إلى تهديد الاستقرار الداخلي في عُمان ولدينا خطط محددة للإسراع بعملية (التعمين) في كل مجال من نشاطنا القومي و سوف تستمر حاجتنا للخبرة الأجنبية المتخصصة وخاصةً في مجال التكنولوجيا لعدة سنوات مقبلة وفي نفس الوقت تكرس الجهود نحو تدريب وتأهيل الشباب العماني لكي يضطلع بمسؤولياته ونحن نضع هذا الأمر في قائمة أولياتنا ونحن راضون للغاية عن حجم التقدم الذي حققناه في هذا الصدد، وراضون أيضا عن الجهود التي لا تزال تبذل وسوف تفتح جامعاتنا الوطنية – جامعة السلطان قابوس بحلول عام 1986 لتهيئ الفرصة لأبنائنا وتؤهلهم في مختلف المهن التخصصية بشكل بشكل نتمكن معه من الإسراع في تنفيذ خطط التعمين).
وحول سؤال عن الحرب العراقية – الإيرانية والتي دخلت عامها الثالث وتسببت في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وعن كيفية حل هذا النزاع؟
قال جلالة سلطان البلاد المفدى – كما تعلمون – فإن السلطنة تدعم بكل قوة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استعادة وطنه.. وتعمل بنفس القوة كي يعترف المجتمع الدولي بحقوق هذا الشعب وكرامته.. ونحن نرى أن معانة الشعب الفلسطيني خلال كل هذه السنوات الطويلة بمثابة تأنيب للضمير البشري.. وإننا وكما أعلنا مرارا من قَبلُ نرى أنه من الواجب البحث والنظر بعناية في كل السبل المؤدية إلى حل سلمي لهذه القضية يكون حلا مشرفاً و متجاوباً في الحقوق الشروعة للشعب الفلسطيني.. وقد ظلت منظمة التحرير الفلسطينية طوال السنوات الماضية تجسد هذه الآمال وتعمل من أجل تحقيقها تلك الأهداف . وأعتقد أنه من الضروري سماع صوت كل الشعب الفلسطيني ووضع ذلك في العتبار عند التسوية ويجب أن يكون مفهوما لدى العالم أجمع وخاصةً لدى الولايات المتحدة الأمريكية الغرب.إن عليهم مسؤولية ودوراً يجب أن يضطلعوا به من أجل الوصول إلى الحل المقبول لدى الشعب الفلسطيني والمستجيب لمطامحه وحقوقه المشروعة).
وحول سؤال عن اتفاقيات كامب ديفد.وهل هي لا تزال حية أم أن هناك ضرورة إلى مبادرات جديدة؟
أجاب جلالته: ( لقد ظلت اتفاقيات كامب ديفد في الماضي ولا تزال الأداة الوحيدة التي حققت خطوة بناء عن طريق الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط. ونحن نرى أنه من الضروري اعتبارها أرضية حية أن تبذل كل الجهود من أجل المزيد من التقدم المنشود ولكنا يجب ألا نسمح باستمرار هذا التعنت ويجب ألا يكون هناك أي استسلام إزاء الحقوق الفلسطينية وفي نفس الوقت يجب ألا تتوقف جهود البحث عن السلام وكما قلنا من قبل يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسهم بقوة في هذه الجهود).
وحول سؤال عن عمر احتياط النفط في عُمان والخطط بشأن الاقتصاد العماني عندما ينضب النفط؟
أجاب جلالته: ( منذ أن تولينا مقاليد البلاد في عام 1970 شرعنا وبكل التصميم في اتخاذ الإجراءات كي يتجه اقتصاد البلاد نحو التنوع وألا يعتمد على النفط..وإننا نحمدالله عن ما حبا به بلادنا بمصادر أخرى غنية من الثروات يمكن أن تحقق هدفنا المنشود .. ونحن اليوم نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة وقد حققنا الاكتفاء الذاتي في مجال الثروة السمكية وتصنيعها ونحن على مشارف التصدير، وتسير خططنا نحو تطوير المصادر الأخرى مثل الغاز الطبيعي والكروم والأسمنت والأسبستوس والحديد، وربما الفحم الحجري، وكلها جهود نقوم بها لمصلحة شعبنا في نفس الوقت فإن الموقف بالنسبة لاحتياطي نفطنا مرضٍ للغاية لقد تمت اكتشافات جديدة لنوعية ذات خامة عالية مما يؤكد على الحجم الجديد للاحتياطي وعليه فإن هذه السلعة ستكون في بلادنا لسنوات عديدة مقبلة كما وإن نفطنا يتميز بمميزات أخرى عديدة من بينها أننا نقوم بتكريره في مصفاة التكرير الواقعة على خليج عمان ونصدره مباشرةً إلى الخارج دون أن تتأثر صادراتنا النفطية بالشكوك الناتجة عن الحرب العراقية – الإيرانية وما تشكله من تهديد للاستقرار).
ورداً على سؤال عن تأثيرات السوق النفطية الدولية على الاقنصاد العُماني؟
أجاب جلالته: ( بأن أسعار النفط مرضية بالنسبة للمنتج والمستهلك على السواء ولا نرى أن هناك داعيا للعصف بهذا الاستقرار ولا شك أن هناك انخفاضا تماما في الاستهلاك العالمي للنفط وهناك أيضا ترشيد في الاستيراد بالنسبة للدول المستهلكة إلا أن هناك تطورا صناعيا مستمرا ورغبة في تحسين مستوى المعيشة وهي عوامل في تقديرنا تدفع نحو الطلب على النفط . وقد كان في ذهننا وعلى الدوام موضوع احتمال انخفاض الاستهلاك العالمي للنفط وتأثير ذلك على مستوى السعر وقد قمنا بتأجيل التنفيذ الفوري لبعض الأوجه الثانوية في خططنا التنموية وجعلنا تنفيذها يتم على أطول غير أن مشاريعنا التنموية الرئيسية لم تتأثر ، وقد قمنا باقتراض مبلغ ال300 مليون دولار كإجراء احتراس أية تطورات مستقبلية محتملة).
وحول الملاحة الدولية في مضيق هرمز التي تمر عير مياه الإقليمية وعن الإجراءات التي اتخذتها عمان لحماية هذا الممر المائي الحيوي و المساعدة التي تحصل عليها السلطنة من الدول الغربية مقابل هذا الحماية؟
رد جلالته قائلا: ( الحقيقة أن خط المرور الرئيس عبر مضيق هرمز يمر بمياه عمان الاقليمية وعليه فإننا نتحمل مسؤوليتنا ونبذل كل ما نستطيعه لضمان حرية المرور السلمي للملاحة الدولية ولكن على ضوء الموقف الخطير الغير مستقر في الخليج نرى أنه يجب على الدول الخليجية الاهتمام بهذا الأمر ويمكن لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يلعب دورا في المساعدة على ضمان سلام الملاحة الدولية ونحن نعتقد أيضا أن على الدول الغربية دورا تلعبه إذ لا مصلحة حيوية في حرية الملاحة وهذا الدور هو تقديم المعدات الفنية الضرورية التي تساعد في ضمان سلامة الملاحة الدولية عبر مضيق هرمز).
وعن رؤية جلالته للعلاقات بين السلطنة وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.وهل تشكل الجبهة الشعبية لتحرير عُمان تهديدا للسلطنة؟
أجاب جلالته قائلا: ( بأن الاتفاق الذي أُبرم بين السلطنة واليمن الجنوبي في أكتوبر من الماضي كان خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات بين البلدين بعد انقطاع دام سنوات طويلة ، وهو تطبيع مبني على أساس ظلت عمان تنادي بها منذ فترة طويلة وهي عدم تدخل طرف في الشؤون الداخلية للطرف الثاني وإلى الآن فإن اليمن الجنوبي التزمنا بالاتفاق ومن الطبيعي أننا نرقب ذلك. ما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان بأنها ظلت ولسنوات طويلة واجهة للدعاية الشيوعية واجهة بلا معنى وهي لا تشكل أي تهديد للسلطنة).
وحول إعلان جلالته التزام السلطنة بسياسة الحياد بالنسبة لصراع الدول الكبرى وتأثير هذا الاتجاه الحيادي بالنسبة للتورط السوفييتي في المنطقة والذي يتم عن طريق عملائه؟
قال سلطان البلاد المفدى: (إن هدفنا بالتنسيق مع أشقائنا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو تحقيق أقصى درجة من الاعتماد على الذات في كل المجالات حتى تتجنب منطقتنا التورط في صراع الدول الكبرى ونحن سعداء بأن نعلن بأننا مع أشقائنا قد خطونا خطوات واسعة نحو هذا الهدف ونحن على يقين بأن تعاوننا المستمر يسهم بفعالية نحو أمن ورفاهية شعوبنا. اما بالنسبة لمخططات السوفيتية التوسعية السافرة فإنه من الحماقة بمكان إغفالها وغض الطرف عنها ويكفي للمرء النظر إلى العالم من حولنا ليرى حقيقة هذا التهديد. وعليه من الواجب على عمان تطوير علاقاتها مع أصدقائها في العالم احتراسا من مغبة هذه الأطماع.. وأنا وشعبي لدينا تجربة عملية عما يعينه مثل هذا التهديد لدولة صغيرة ذات سيادة وعلى كل فإننا لن نقبل أن تكون من ضحايا هذا التهديد).
وعن زيارة جلالته إلى واشنطن ونجاحها الدبلوماسي الكبير وتأكيدها على العلاقات الدفاعية عن سلطنة عمان والولايات المتحدة الأمريكية وعن رضى جلالته عن علاقة السلطنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتأثير هذه العلاقات على المفهوم الحيادي.
قال جلالته: (إنني راضٍ كل الرضى عن نتائج زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية إذ هيأت لنا الفرصة لتبادل وجهات النظر كما هيأت بي فرصة استعراض الموقف في الشرق الأوسط والقضايا المتعلقة به مع الرئيس الأمريكي ريجان ومساعديه. أما عن مستوى علاقات بلادي مع الولايات المتحدة الأمريكية فأنا راضٍ عنها وهي: لا تؤثر مطلقا على موقفنا الحيادي.. وأن تصميمنا على العمل الوثيق مع أشقائنا في مجلس التعاون الخليجي بهدف الاعتماد على الذات اقتصاديا وسياسيا والبقاء بعيدا عن مواجهات الدول العظمى لا يعني أنه يتناقض مع تقوية علاقات السلطنة مع أصدقائها في الغرب ومع الولايات المتحدة الأمريكية).