الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المواطنون الكرام..
إنه لمن دواعي الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى أن كتب لنا اللقاء في هذا اليوم السعيد، لنحتفل معا بالذكرى التاسعة والعشرين للنهضة العمانية، في ربوع مدينة عبري الواعدة، ولنجدد العزم، بمدد متواصل منه تعالى، وسندد دائم منكم يا أبناء عمان، على دفع المسيرة المباركة نحو مزيد من الازدهار والاستقرار، والتطور والعمران، يكفل لكل ربوع هذا البلد الطيب التقدم والارتقاء، إن شاء الله.
لقد تحققت في المرحلة الماضية آمال كثيرة، تجسدت في منجزات عديدة، نقلت المجتمع العماني إلى القرن العشرين، وهيأته لمواجهة تحديات القرن القادم. ونحن واثقون تمام الثقة من أن هذا المجتمع الفتي الناهض، المؤمن بربه قادر، أفرادا وجماعات، بالعزم والمثابرة، والجد والعلم والعمل، وبعونه تعالى وتوفيقه، على مواكبة التطورات السريعة المتلاحقة التي يشهدها العالم في شتى مجالات الحياة.
أيها المواطنون الأعزاء..
في العام الماضي، وفي مثل هذه المناسبة، أشرنا إلى أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة غير صحية، ودعونا إلى التنويع الاقتصادي، درءأ لمخاطر الاعتماد على سلعة وحيدة هي النفط، واننا اليوم، نؤكد من جديد على ضرورة السعي الحثيث من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للرؤية المستقبلية، التي ترمي إلى بلوغ غاية محددة واضحة، هي تعزيز المستوى المعيشي للمواطن، وضمان استفادته من ثمار التنمية، والمحافظة على مكتسبات النهضة، والعمل على صيانتها وتطويرها.
فالتنويع الاقتصادي، وتنمية الموارد البشرية الماهرة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، وتهيشة الظروف الملائمة التي تشجع القطاع الخاص على أداء دور أكبرفي نمو الاقتصاد الوطني.. كل ذلك من شأنه تقليل الاعتماد على النفط، الذي يجب ألا ننسى أبدا أنه ثروة ناضبة، وأن أسعاره تخضع لعوامل خارجية لا يمكن التعكم فيها محليا، ومن ثم فإن انهيارها يؤدي – في حالة الاعتماد عليه كسلعة وحيدة – إلى اختلالات كبيرة بالموازنة العامة، وميزان المدفوعات، كما يؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو، وضعف معدلات الادخار والاستثمار.
واذا كنا قد تمكنا، بحمد الله، من تخطي مرحلة غير مريحة خلال العامين المنصرمين، بأقل ما يمكن من الأضرار على اقتصادنا ، فإنه ينبغي الأ نركن إلى ما شهدته أسعار النفط من تحسن في الآونة الأخيرة، بل لا بد من الاستمرارفي اتباع سياسات اقتصادية ومالية رشيدة من أهمها: تقليل الإنفاق، وتشجيع الادخار، ومحاربة الميول الاستهلاكية، من خلال التوعية والتوجيه، وتشجيع الأفراد على المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني، وحث المؤسسات المالية على ضرورة تسخير مواردها في تنمية القطاعات الانتاجية – لا في القروض الاستهلاكية – وتبني سياسات تؤدي إلى زيادة معدلات الادخار الداخلية من ودائع المواطنين، حتى لا تضطر هذه المؤسسات إلى الاعتماد على المصادر المالية الخارجية، لما لذلك من آثار ضارة على الاقتصاد، لابد من العمل بحزم على تجنبها وتفادي ما قد تتسبب فيه من نتائج سلبية.
أيها المواطنون الكرام..
برغم ما واجهته الخطة الخمسية الحالية من صعوبات نتيجة عوامل متباينة داخلية وخارجية، فقد كان لأدائها والحمد لله، إيجابيات عديدة في مجالات مختلفة، منها على سبيل المثال: التحكم إلى حد كبير في معدلات التضخم، وتنفيذ عدد من المشروعات الهادفة إلى التنويع الاقتصادي، من أبرزها مشروع الغاز الطبيعي، الذي سوف يزيد حصيلة البلاد من العملات الأجنبية، ويوفر، بإذن الله، فرصا واسعة للتصنيع، ويؤدي إلى تعميق الارتباط بالاقتصاد العالمي، ومشروع ميناء صلالة للحاويات، ومشروع ميناء صحار الذي شرع في تنفيذه.
ومما لا ريب فيه أن هذين المشروعين الأخيرين، سوف يسهمان أيضا في دفع عجلة النمو قدما إلى الأمام، وفي توطيد دعائم الاقتصاد الوطني. كما أن من أبرز إيجابيات الخطة الخمسية ما تم إنجازه في ميدان تنمية الموارد البشرية، سواء فيما يخص التعليم العام أو العالي أو الفني أو التدريب المهني، أو في مضمار التعمين، وزيادة فرص العمل للمواطنين، أوفي مجال الخدمات الصحية، التي شهدت تحسنا ملحوظا على امتداد المناطق والولايات المختلفة، والحمد لله.
إننا اليوم، أيها المواطنون، على أبواب الإعداد للخطة الخمسية السادسة. ولا يخفى أن هناك دروسا كثيرة قدمتها لنا الخطة الحالية، سوف تتم الاستفادة منها ، والاستنارة بمؤشراتها ، وصولا إلى أداء إيجابي أكبر، وتفاديا لسلبيات ينبغي ألا تتكرر، وسعيا إلى إنجاز معدلات أفضل لنمو الاقتصاد الوطني، وتوفيرا لفرص عمل أكثر للمواطنين، ومحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي. كما أن تجربة الخطة الخمسية الحالية، سوف تفيد في تطوير سياسات الادخار والاستثمار، وفي وضع استراتيجية متكاملة للتخصيص من أهدافها رفع الكفاية الإنتاجية، وتخفيض التكلفة، وحفز المستثمر المحلي والأجنبي على الإسهام بدور فاعل في مسيرة التنمية الشاملة، إن شاء الله.
إن توثيق علاقات السلطنة الاقتصادية بدول مجلس التعاون والدول العربية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، والتفاعل الإيجابي مع النظام الاقتصادي العالمي بما يعود بالخير والفائدة على عمان، لهي أمور في غاية الأهمية، من شأنها أن تتيح لنا إمكانية المشاركة في النمو الهائل في التجارة العالمية والاستثمارات، والاستفادة من الأسواق الآخذة في النمو والانفتاح.
وعلى المجتمع العماني – حكومة ومواطنين – إدراك مدى ضرورة الاستعداد لمجابهة تحديات العولمة، وذلك من خلال تطوير القدرات الوطنية، وتأسيس الاقتصاد على أسس راسخة من التنافسية والإنتاجية العالمية، ومن خلال الارتقاء بالأجهزة والمؤسسات، والاهتمام بالعلم والتقنية والبحث والتطوير، وتوفير المناخ الذي يكفل للقطاع الخاص النماى المطرد، والمشاركة الواسعة في صياغة خطما التنمية والسياسات الاقتصادية، ويكسبه القدرة على ممارسة النشاها الاقتصادي بكفاءة ومرونة ويسر، ويمكنه من مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، بإذن الله.
واذ ا كان لا بد من كلمة أخيرة في مجال الاقتصاد فإننا نؤكد على ضرورة منح السياحة أولوية في برامج التنمية المستقبلية. فهذا القطاع يتميز بإمكانيات كبيرة للنمو والاسهام الفعال في تحقيق التنويع الاقتصادي، لما يزخر به هذا البلد العزيز من مقومات سياحية، تتمثل في التراث التاريخي، والطبيعة المتنوعة، والبيئة النقية، والفنون والصناعات الشعبية، بالإضافة إلى الأمن والاستقرار، والروح السمحة للمواطن العماني، والحمد لله. إن قطاع السياحة مؤهل لفتح الفرص الوظيفية أمام أعداد لا بأس بها من العمانيين، كما أنه قادر على خدمة هدف التنمية الإقليمية بكفاءة، إذ أن منافعه تمتد لتعم مختلف المناطق والولايات. ومن هذا المنطلق ينبغي إعداد استراتيجية جديدة لتطوير هذا القطاع، لتمكينه من الوقوف على قدميه في سوق عالمية تتسم بالمنافسة الشديدة، والمرونة والتنويع.
أيها المواطنون الأعزاء..
إن مسيرة مجلس التعاون ماضية نحوأهدافها إن شاء الله، والتنسيق في شتى المجالات قائم بين أعضاثه. واذ تنطلع إلى لقاء الإخوة قادة دول المجلسفي القمة العشرين بالرياض، في ضيافة الأخ العزيز خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، فإننا نضرع إليه سبحانه وتعالى أن يرفقهم ويسدد خطاهم في خدمة كافة شعوبهم، وأن يحقق على أيديهم المزيد من التقدم والرخاء، والرقي والنماء للجميع.
وفي هذه المناسبة نود أن نؤكد – كما اعتدنا دائما – أننا نؤمن بالسلام ونسعى إليه، ونأعو إلى تقوية ووابما الصداقة مع الجميع، على أساس من العدل الشامل، والاحترام المتبادل. ومن هذا المنطلق كان وقوفنا الدائم الحازم مع القضايا العادلة وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني الذي يعمل من أجل استرداد حقوقه، واقامة دولته المستقلة، وقضية الجولان وجنوب لبنان، وغيرها من القضايا العربية والإسلامية والدولية. واذ نرجو لمسيرة السلام في الشرق الأوسط أن تصل إلى حل منصف للجميع، فإننا نهيب بالمجتمع الدولي أن يعمل جاهدا على إيجاد حلول للقضايا التي تؤرق العالم، وتهدد السلم، بما يرفع الظلم عن المظلومين، ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار، ويحقق الوئام والتعاون بين محتلف الشعوب، والله ولي التوفيق.
أيها المواطنون الكرام..
إن اعتزازنا بقواتنا المسلحة وكافة أجهزة الأمن نابع من تقديرنا لدورهم العظيم في حماية منجزات النهضة المباركة، وصيانة مكتسبات الوطن. واذ نؤكد دعمنا لها، وسعينا لتطويرها، فإننا نرجه إليها، من فوق هذا المنبر، وفي هذا اليوم الميمون الأغر، التحية والثناء العاطر، لإخلاصها وتفانيها في أداء المهام المنوطة بها دائما.
نسأل الله الكبير المتعال أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن يحيطنا بعنايته، وأن يجعلنا من عباده الشاكرين الذاكرين لكل النعم، ما نعلم منها وما لا نعلم، إنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير نعم المولى، ونعم النصير.
واذ نهنئكم بهذا العيد المجيد، ندعو المولى جل وعلا أن يكتب لنا اللقاء في العام القادم في مسقط العامرة، لنحتقل معا بالذكرى الثلاثين لنهضة عمان الزاهرة.
وفقكم الله،
وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،