والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين آله وأصحاب أجمعين.
أيها المواطنون الأعزاء..
يسرنا ونحن نحتفل اليوم بالذكرى التاسعة لعيدنا الوطني المبارك أن نحييكم من أعماق قلونا ، وأن نعبر لكم عن صادق وفائنا لبلدنا الحبيب وشعبه البطل.
ففي مثل هذا اليوم من كل عام يلتقي أبناء عمان الحبيبة معا بقلوب مفعمة بالاعتزاز الذي نكنه لهذا الوطن الغالي مستذكرين أمجاد تاريخنا العريق والإنجازات التي استطعنا تحقيقها لبلادنا وشعبنا بعون الله وتوفيقه الذي نحمده وشكره لما أسبغه على بلدنا من نعم وبركات.
وبهذه المناسبة لا يسعنا الا أن نذكر دور قواتنا المسلحة بجميع فروعها البرية والجوية والبحرية، وكذلك فرقنا الوطنية وشرطة عمان السلطانية لما قاموا ويقومون به في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وبناء عمان الحديثة في ظل السلم الذي نعيشه اليوم .
لقد كان العام المنصرم عاما حافلا بالتقدم والاستقرار لبلدنا كما رسخنا الانتصارات التي حققناها في شتى الميادين ووسعنا آفاقها.
وقد حافظ اقتصادنا على نمو سليم ومضطرد ضمن إطار الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية ومكننا من تحقيق المزيد من التقدم لضمان حياة كريمة وآمنة لكل أبناء شعبنا.
وعلى الصعيد العالمي لعبت السلطنة دورا نشطا في السعي الى تحقيق السلام العالمي والدفاع عن حقوق الانسان فقد سعينا في أروقة الأمم المتحدة وعن طريق المبادرة الثنائية مع الدول الاخرى إلى تعزيز التعاون والتفاهم بين شعوب العالم.
وفي منطقتنا والدول الشقيقة التي تحركها نفس مشاعر الأخوة والاحترام المتبادل قد وطدنا الروابط القوية التي تربطنا ببعض. ونود هنا أن نسجل بصورة خاصة شكرنا وتقديرنا للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة لموقفهم الاخوي.
أيها المواطنون الأعزاء…
وفي حين ينبغي علينا أن نحمد الله عز وجل على الأمن والازدهار اللذين تنعم بهما أرضنا الحبيبة والصداقات التي تؤازرنا وتشجعنا وتقوي من عزيمتنا يتوجب علينا ان ننظر الى هذه الأمور نظرة واقعية وبدون رضا ذاتي ففي هذا العام لم تقل الاخطار التي تهدد السلام والاستقرار العالميين ولم تتحق أية حلول للمشكلات الخطيرة التي تواجهها دول العالم الحر , بل ان هذا العام قد وضع بلدنا في مكان الصدارة من قضايا الشؤون العالمية التي تضع على عاتقنا جميعا مسؤوليات جسيمة. مسؤوليات يجب علينا أن بعزم لا فتور فيه ويقظة لا غفلة معها.
إن استمرار الاتحاد السوفييتي بانتهاج سياسات توسعية – سياسات تذكر المرء بأسوأ سياسات الاستعمار في الماضي – ما زال يشكل تهديدا خطير للسلام العالمي بصورة عامة ولسلام هذه بصورة خاصة. ومما يزيد في تهديد سلام منطقتنا هو الخلاف والشقاق بين الدول العربية من جهة وهدم قدرة العالم على تحقيق تسوية لمشكلات الشرق الأوسط من جهة أخرى.
وعلى الغم من ذلك فان هذا العالم شهد أول خطوة مشجعة على الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط، لكن لا يمكن اعتبارها خطوة كافية فليس السلام وحده هو المهدد بالخطر، بل أن الخطر يمكن في عدم إصلاح الأخطاء التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، وعدم وضع نهاية للآلام والمصائب التي حلت به. وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها العالم وأن يعمل على إيجاد تسوية تعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه وتحفظ له كرامته. فلا عناد إسرائيل وتصلبها وتحديها لارادة الأمم المتحدة ولا الأعمال المؤذية التي يقوم بها أولئك الذين يرون أن من مصلحتهم استمرار هذا الوضع يجب أن تقف في سبيل تحقيق هذا الهدف ، ولذا فان عمان تعلن بصراحة أنها ستؤيد بقوة أية مبادرة بناءة يقوم بها أي زعيم عربي أو أي زعيم آخر من شأنها ان تؤدي الى تحقيق هذه الغاية.
أيها المواطنون.
لا شك في أنكم سمعتم الكثير عما قيل بشأن أهمية مضيق هرمز الذي هو جزء من مياهنا الاقليمية . والذي هو كذلك من أهم المضايق العالمية. ان نسبة كبيرة من امدادات نفط العالم تمر به. ولذا فانه اذا أدت حالة عدم الاستقرا الراهنة في الشرق الاوسط الى عرقلة أو وقف امدادات النفط عبر هذا المضيق فان النتائج التي قد تنجم عن ذلك عن ستكون خطيرة. فالملايين من الناس سيعانون من الضيق والمشقة وسيصاب اقتصاد الكثير من الدول التي لا يمكن الاستغناء عن قوتها واستقرارها للدفاع عن الحرية بأضرار بالغة.
لذلك فان عمان تعهدت بالدفاع عن حق جميع السفن المسالمة بالمرور عبر هذا المضيق. فهذا واجب علينا وفقا للقانون الدولي، كما أنه أيضا من واجبنا نحو البشرية جمعاء ونحو أصدقائنا في العالم الحر.
فاذا تعرض المضيق للخطر فاننا في عمان لن نتردد في الدفاع عن سيادتنا الوطنية وسلامة الملاحة الدولية. ونحن نرى بأن جميع الدول التي تستفيد من الملاحة هذا المضيق سواء أكانت من الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط تقع عليها مسؤولية المساهمة في حماية هذا الممر المائي الحيوي ضد خطر الأعمال الإرهابية أو أي شكل آخر من العدوان، وإننا نحث هذه الدول على ذلك، ان عمان لا تطالب بتدخل القوات الاجنبية، فباستطاعة السلطنة القيام بالاجراءات اللازمة شريطة أن تتوفر الوسائل الضرورية لذلك.
ان تعاون الدول الشقيقة في المنطقة هو ضروري أيضا للحفاظ على أمن هذه المياه. ولهذا السبب فان الموقف اللامسؤول الذي تتخذه بعض الدول المعروفة منذ زمن بعيد بنشاطاتها التخريبية هو موقف يدعو للأسف الشديد بصورة خاصة،فالانغماس في المظاهر التي لا تتسم بالنضج والوعي السياسي يجب أن لا يكون وسيلة لتهديد السلام والاستقرار العالمي وحياة الملايين من البشر بالخطر.
ان الأهمية الجغرافية أو السياسية للخليج كمنطقة تؤكد ضرورة التعاون التام بين دولنا وقد قيل الكثير في الماضي بهذا الصدد ولكن للأسف لم يعمل لا القليل جدا لتحقيق هذا الهدف.
لقد كانت هناك طبعا مشاورات وإجراءات مشتركة في مجالات محدودة، لكن التشاور في ما يتعلق بالميادين السياسية والأمنية أصبح الآن مهمآ للغاية بالنسبة لاستقرار المنطقة واستمرار منا عتها ضد التدخلات الاجنبية.
وكما هو الحال بالنسبة لمضيق هرمز، فإننا نعتقد بأن المحيط الهندي لا يكفي أن يعترف به دوليا كمنطقة سلام تقع على جميع مسؤولة المحافظة عليها، بل يجب ايضا اتخاذ الاجراءات الفعالة لضمان سلالة سلامة وأمن المحيط، ونحن نعارض بشدة إقامة أي قواعد أجنبية في المنطقة، كما نعارض تدخل الدول التي تسعى الى بسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة، ولعل أفضل واقرب مثل على ذلك هو اليمن الجنوبية التي انمحت هويتها الوطنية بالفعل بسبب وجود أعداد كبيرة من القوات السوفييتية والكوبية بها. والكل يعلم انه تم استخدامها كقاعدة عسكرية من قبل هذه القوات بلدين عربيين شقيقين . كما أن تدخل هذه القوات ذاتها في القرن الافريقي لإثارة النزاعات المحلية بهدف تعزيز الأهداف السوفييتية التوسعية قد سبب الآلام والمعاناة وقضى على حقوق الانسان وحريته في أي مكان استطاعت هذه القوات أ تبسط فيه سيطرتها. وعمان ستتعاون بكل ما أوتيت من قوة لضمان الحفاظ على أمن وحرية دول وشعوب المنطقة ومساعدتها لمقاومة قوة الظلم والعدوان
وخلال العام الماضي شهد العالم أمثلة جديدة ومحزنة للمصائب التي ابتليت بها البشرية من جراء اتباع السياسية التي تخدم المصالح الذاتية ففي جنوب شرق آسيا فان حالة عشرات الألوف من الناس الأبرياء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم ليصبحوا لاجئين متشردين قد أثارت شفقتنا.
ولقد بذلت عمان كل ما باستطاعتها وستظل تفعل ذلك للتخفيف من الآلام ومعاناة هؤلاء الناس البؤساء، ونحن العمانيين أصبحنا نألف محنة اللاجئين الذين يتدفقون باستمرار الى بلدنا من اليمن الجنوبية، الأمر الذي أصبح يستوجب الآن اتخاذ اجراءات خاصة لاستقبالهم وتقديم المساعدة الضرورية لهم.
واننا نرى بأن الوقت قد حان لكي تتخذ جميع الدول الاجراءات الضرورية لمكافحة المجاعة والتخفيف من آلام الملايين من الناس المحرومين في هذا العالم. وأن قناعتنا بأن هذا الآلام والمحن ستستمر إلى أن نوحد موقفنا في إصرار على ضرورة التقيد بالقانون الدولي والى أن يتم إيجاد قانون اقتصادي عالمي جديد يقوم على أساس مشاركة الموارد بطريقة عادلة ومنصفة.
وكما أنه واجب الزعماء الوطنيين التأكد من أن موارد بلادهم تستخدم لفائدة شعوبهم ، فإننا نؤمن بضرورة اعتماد هذا المبدأ بشكل موسع ليشمل نظاما للتعاون الاقتصادي على نطاق عالمي المنفعة البشرية جمعاء، فالتقدم التقني الكبير الذي حققته الدول المتقدمة يجب أن يضم مع المصادر المادية العالمية لتلبية هذه الحاجات .
ونحن نرى أيضا ضرورة مواصلة المحاولات الرامية الى خفض التسلح العالمي . وفي حين أن خفض التسلح هو بالأخص من مسؤولية الدول الكبرى فان من واجبنا جميعا أن نشدد على ، ذلك، ذلك لأن بخفض إنتاج أسلحة الدمار الجماعي فقط يمكن للجنس البشري أن ينظر بثقة واطمئنان وأن تكون العالقة بين الدول خالية من البغضاء، غير أنه من الضروري مواصلة هذه المحاولات بطريقة واقعية وبضمانات كاملة من أجل الحفاظ على توازن القوى لضمان سلامة العالم.
كما أن هذه الاجراءات يجب أن ترافق وأن تكون بالفعل جزءا من العمل في المجال الدبلوماسي من أجل وضع حد لكل المحاولات الرمية الى المكابرة أو العظمة ذلك أن الأطماع السياسية تكمن وراء زيادة التسلح التي هي جذور أسباب الخطر.
أيها المواطنون الأعزاء.
إن المهام التي تواجهنا في المستقبل هي جسيمة حقا، فاذا اردنا أن نكون جديرين بالدور الذي يطالبنا به مصيرنا فينبغي علينا أن نتمسك بشدة بالمبادئ التي قوت من عزائمنا في المحن التي علينا في الماضي، لذلك دعونا نسير معا إلى الامام سائلين الله أن يسدد خطانا ويمدنا بعونه وحمايته لخدمة بلدنا وخدمة البشرية جمعاء.
إننا ننتهز هذه الفرصة لنهنئ العالم الإسلامي بانتهاء القرن الرابع عشر الهجري وحلول القرن الهجري الجديد الذي نتمنى أن يكون قرنا حافلا بالخير والبركة والسلام للأمة الإسلامية جمعاء، وما ذلك على الله بعزيز.
والله ولي التوفيق، وكل عام وأنتم بخير ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،