الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير.. سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين..
أيها المواطنون..
يسرنا ونحن نحتفل في هذا اليوم المبارك بالذكرى الثامنة عشرة لعيدنا الوطني أن نستهل حديثنا بالتوجه الى الله تعالى بأجل آيات الشكر على ما أحاطنا به من نعم وبركات، وعلى ما أمدنا به من رعاية وتوفيق، كما يسرنا أن نحييكم ونعبر لكم عن اعتزازنا بالروح الوطنية العالية التي تجلت على مدى هذه الأعو ام الثمانية عشر فيما بذلناه معا من جهود متضافرة لبناء النهضة وصنع التقدم في ربوع عماننا الحبيبة..
أيها المواطنون..
لقد جاء اهتمامنا بتخصيص عام للزراعة انطلاقا من مفهوم شامل يستهدف توسيع آفاق النماء في بلادنا، وذلك بالتركيز على استغلال ما تدخره أرضها الطيبة من موارد وفيرات، كما يستهدف نماء قدراتنا الذاتية من خلال تدعيم ارتباظ المواطن بهذه الأرض المعطاء، بكل ما يتطلبه ذلك من محافظة على الحرف والمهن المتوارثة عن الآباء والأجداد، واقدام على العمل في جميع القطاعات، وتحمل للمسؤولية بروح من الجدية والتفاني في العطاء..
ومن هذا المنطلق كان حرصنا على إبراز دور المواطنين العاملين بحرف الزراعة والصيد وتربية الثروة الحيوانية لمشاركتهم الفعالة في مسيرة التنمية على أساس من تقاليدنا وعاداتنا العمانية العريقة، واذ يهمنا أن نشير اليوم الى ضرورة اتباع سياسة تحول دون هجرة البعض لهذه الحرف فإننا نؤكد في ذات الوقت على اهتمامنا بالاستمرار في تقديم كل أوجه الرعاية للمشتغلين بها لما لها من أهمية بالغة في الانتفاع بالموارد الطبيعية المتجددة التي أنعم الله بها على عماننا لتبقى دائما وأبدا وكما كانت في كل العصور مصدر خير وزرق للأجيال المتعاقبة.
شعبنا العزيز..
لقد تابعنا بكل تقدير النشاط المتميز الذي قامت به الحكومة والمواطنون خلال هذا العام في تعاون فعال أعطى دفعة قوية لتطوير قطاع الزراعة، ولكن ذلك لا يعني الاكتفاء بتحقيق أهداف مرحلية، وانما يجب أن يكون بداية لجهود مكثفة تأخذ طابع الدوام للنهوض بهذا القطاع إلى أقصى درجة ممكنة..
ولهذا فإننا نعلن اليوم استمرار فعاليات عام الزراعة لتشمل عامنا المقبل بمشيئة الله رغبة منا في تأكيد الإدراك المتزايد لضرورة تنمية هذا المورد الاقتصادي المهم، واعطاء مجال أوسع للاستفادة بما حققته جهودنا في هذا العام من مردود طيب، ولقد اعطينا توجيهاتنا للحكومة للاستمرار في برامج التطوير الزراعي التي سيكون لها بإذن الله أثرها الإيجابي، وذلك إلى جانب الاستمرارفي اقامة المزيد من سدود التغذية الجوفية، وصيانة الأ فلاج والآبار، ودعم دور مراكز الإرشاد الزراعي بما يعزز من قدرتها على تقديم الخدمات اللازمة للمزارعين..
إن ما تم تنفيذه عبر السنوات الماضية من مشاريع حيوية في هذا القطاع يوفر أساسا قويا للبدء في تنمية زراعية متكاملة تولي تركيزا خاصا لتطوير المحاصيل العمانية التقليدية وانتقاء الجيد منها للتوسع فيه وزيادة انتاجيته، مع الاهتمام بالمحاصيل الجديدة وتنويعها ضمن تركيب محصولي يقوم على أسس الجدوى الاقتصادية، إضافة إلى ما يجب اتخاذه من خطوات مدروسة لإحياء وتطوير المراعي الطبيعية، وتنظيم استخدامات الأراضي بما يمنع استخدام مناطق الرعي والأراضي القابلة للزراعة في أغراض تحد من إمكانيات التوسع الزراعي في الحاضر أوفي المستقبل..
وانه لمن المهم دائما أن يواكب هذه الجهود عمل مستمر ليس فقط لاكتشاف وتطوير مصادر وموارد المياه وانما للمحافظة عليها باعتبارها ثروة وطنية، والاقتصاد في استخدامها، واتباع نظم الري الحديثة، والاستفادة بالتسهيلات التي تقدمها الحكومة في هذا المجال لما لكل ذلك من أثر كبيرفي تأمين احتياجاتنا من المياه سواء للزراعة أو لغيرها من المجالات..
وفي قطاع الأسماك فإن المشروع القومي الذي سبق أن أعلنا عنه قد استكملت مراحله، وستبدأ شركة الأسماك العمانية عملها قريبا بمشيئة الله لتساهم في تنمية هذا القطاع على أسس علمية واقتصادية، وبالمستوى الذي يتفق وأهميته كإحدى الدعائم الرئيسية لاقتصادنا الوطني، وفي حين يتعين على الشركة أن تعتمد فيما ستقوم به من أنشطة متنوعة على العمالة العمانية بدرجة أساسية فانه يتوجب عليها أن تقدم التسهيلات اللازمة للصيادين الحرفيين الذين نحرص على استمرار ودعم نشاطهم المعتاد..
ولقد أصدرنا أمرا للحكومة بدراسة مشروع لإنشاء قرى نموذجية للصيادين في مناطق عديدة من البلاد مع تجهيزها بوحدات لتجميع وحفظ الأسماك وصيانة معدات الصيد، وذلك بهدف تعزيز ارتباطهم بالبحر وتشجيعهم وغيرهم من العمانيين على الاشتغال بهذه الحرفة، كما ستقدم الحكومة حوافز لمن يحافظون على حرفة الصيد ويعملون على انتقالها للأبناء..
وفضلا عن هذا كله.. وادراكا منا لأهمية الاستمرار في سياسة النماء وفقا لرؤية مستقبلية فإننا نعتزم بمشيئة الله تكليف أحد بيوت الخبرة العالمية المتخصصة لترجمة الدراسات التي انتهت منها الحكومة مؤخرا الى خطة وطنية بعيدة المدى لتطوير قطاعات الزراعة والأسماك والثروة الحيوانية تهدف في المقام الأول إلى تنويع مصادر الدخل القومي، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل أمام العمالة الوطنية، وسيوضع لهذه الخطة برنامج زمني يتم تنفيذه لمدة عشر سنوات، كما نعتزم توجيه الحكومة لإعطاء هذه القطاعات الثلاثة الى جانب الصناعة نصيبا وافرا من الاهتمام في الخطة الخمسية الرابعة..
أيها المواطنون..
لقد أولت مسيرتنا عناية كبيرة لإنجاز البنية الأساسية في مجالي التعليم والتدريب، وأكملنا بذلك مراحل مهمة حرصا منا على اعداد أبنأثنا للمشاركةفي بناء وتنمية البلاد، وانه لمن الضروري أن نبذل المزيد من الجهد لتطوير السياسات المتبعة في هذين المجالين بما يخدم توجهاتنا الأساسية للاعتماد على قوانا البشرية في مختلف مجالات العمل، وذلك بالربط بين هذه السياسات وبين احتياجات البلاد من القوى العاملة ربطا دقيقا وفعالا، وبكل ما يعنيه ذلك من تكيف وتنوع في برامج التعليم والتدريب وفقا لمتطلبات العمل في ساثر قطاعات الدولة من المهنيين والفنيين وغيرهم من العمالة المدربة والكفاءات المؤهلة في محتلف التخصصات..
وعلى الرغم من كل الخطوات التي اتخذت حتى الآن في مجال التعمين فانه لابد من المضي قدما لإحلال العمالة العمانية تدريجيا محل العمالة الوافدة في جميع القطاعات الأهلية والحكومية دون إخلال بمستوى الأداء، واذ يتوجب على القطاع الخاص أن يهيئ مزيدا من الفرص أمام العمالة الوطنية في مختلف الأنشطة التي يقوم بها سواء في المصانع والفنادق أو في الأسواق وشركات المقاولات والخدمات وغيرها فإننا نهيب بأبنائنا الشباب أن يجدوا في اكتساب الخبرات والمهارات التي تؤملهم للعمل في هذه المجالات، وأن يقبلوا عليها دون ترفع أو تهاون وانما بالرغبة الصادقة لإثبات الجدارة والتفوق في أداء ما يسند اليهم من أعمال.. مهما كان نوعها بدون استثناء.
أيها المواطنون..
إننا إذ نواصل جهودنا وبرامجنا الإنمائية في مختلف القطاعات المدنية فإننا نعمل على تطوير قواتنا المسلحة إيمانا منا بدورها المجيد في كل الأوقات، وانه ليسعدنا اليوم أن نحيي جميع الضباط والجنود في قواتنا الباسلة بجميع قطاعاتها وتشكيلاتها تعبيرا عما نكنه من فخر واعتزاز بالمستوى الرفيع الذي وصلت إليه في كفاءتها واستعدادها المتطور واخلاصها لواجبها المقدس في السهر على أمن بلادنا العزيزة والمشاركة في تحقيق ما تصبو إليه من تقدم ورفعة، كما نحيي مختلف أجهزة الأمن التي تقدم بجهودها المخلصة أمثلة بارزة للتفاني في خدمة الوطن والمجتمع..
أيها المواطنون..
إننا نحرص دائما على أداء دورنا كاملا على الساحة الدولية وفقا لسياستنا التي ننتهجها منذ البداية بكل الإيجابية والوضوح والتي تقوم على أساس من الايمان الراسخ بمبادئ التعايش السلمي بين جميع الشعوب، وحسن الجوار بين الدول المتجاورة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والاحترام المتبادل لحقوق السيادة الوطنية..
إننا نمد يد الصداقة والتعاون الى جميع الدول التي تلتقي معنا على هذه المبادئ، ونعمل ضمن هذا الإطار على توطيد علاقاتنا المتنامية مع كافة دول المنطقة تقديرا منا لأهمية التعاون بينها في كل ما يخدم المصالح الأساسية لجميع شعوبها ، كما نعمل مع إخواننا وأصدقاثنا في العالم لتطوير علاقاتنا بما يحقق أهداف التعاون المشترك لخير شعوبنا والأسرة الدولية، وفي ذاات الوقت فإننا نكرس إمكانياتنا للمشاركة المخلصة في تعزيز فرص السلام والأمن على كافة المستويات الإقليمية والدولية..
إننا إذ نشيد بالخطوة الشجاعة والحكيمة التي اتخذها قادة العراق وايران بإيقاف الحرب وبدء الحوار المباشر لتسوية النزاع بالطرق السلمية فانه لا يسعنا الا أن ننوه بالدور البارز للأمم المتحدة في التوفيق بين الطرفين، ونؤكد دعمنا القوي لهذا الدور..
لقد شهد العالم خلال هذا العام تطورات إيجابية نتيجة لما أحرزته المساعي الدولية من تقدم واضح في معالجة العديد من المشكلات الاقليمية في محتلف مناطق العالم، ولما تحقق من انفراج في العلاقات بين الشرق والغرب وتقارب أكبر بين القوتين العظميين، واننا لنأمل أن تساهم هذه التطورات المشجعة في إيجاد مناخ عالمي جديد يوفر فرصا مواتيه لمعالجة كافة المشكلات والقضايا الدولية المزمنة وفي مقدمتها قضية الشرق الأوسط..
وفي هذا الصدد فإننا ندعو المجتمع الدولي وكل القوى العالمية لتقديم المزيد من المساندة والدعم للجهود الرامية إلى عقد مؤتمردولي للسلام في الشرق الأوسط، وبالمستوى الذي يمهد الطريق لتحرك جاد يعمل على التوصل الى تسوية سلمية عادلة ودائمة تضع حدا للمعاناة القاسية التي يرزح تحتها الشعب الفلسطيني، واننا لنشيد بما توصل اليه المجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماعه في الجزائر من نتائج إيجابية توفر فرصة جديدة لإيجاد حل يعيد إلى هذا الشعب المناضل حقوقه المشروعة، ويضمن الأمن والسلام لجميع الأطراف المعنية..
وفي الوقت الذي لا تزال الأزمة اللبنانية تزداد تعقيدا وتشتد وطأتها على الشعب اللبناني فإننا نؤكد قناعتنا الكاملة بأن حل هذه الأزمة لابد أن ينبثق في الأساس عن إرادة اللبنانيين أنفسهم، واننا لنناشد جميع القوى والفئات اللبنانية أن تعمل ودون إبطاء للخروج من المأزق الراهن والاتفاق على صيغة للحوار بينها لإيجاد حل يعفح للبنان وحدته واستقلاله وسيادته الكاملة على أرضه، كما نناشد الدول العربية أن تساعد من خلال الجامعة العربية على بدء هذا الحوار لمعالجة الأزمة اللبنانية بعيدا عن التدخلات الخارجية..
وعلى صعيد التعاون الأخوي بين الأقطار العربية فإننا نحيي الخطوات التي اتخذها إخواننا قادة دول المغرب العربي لتنسيق التعاون الإقليمي بين هذه الدول، ونعرب عن تأييدنا الكامل لهذه الخطوات ولكل جهد يساهم في تعزيز التآخي بين الأشقاء ويساعد على ترسيخ التضامن بين أمتنا العربية لما فيه الخير لشعوبها في حاضرها ومستقبلها..
أيها المواطنون..
لقد أخذت الأوضاع الاقتصادية العالمية تفرض أعباء باهظة وضغوطا متزايدة على الدول النامية لم يسبق لها مثيل في خطورتها وانعكاساتها السلبية على معدلات النموفي هذه الدول، وان ذلك ليؤكد ضرورة إسراع المجتمع الدولي لمعالجة هذا التدهور في الاقتصاد العالمي بما يعيد إليه التوازن على أسس عادلة ومستقرة تضمن مصالح الدول النامية..
وفي نفس الوقت فإننا نؤكد على التعاون بين الدول المنتجة للنفط لإعادة الاستقرار إلى السوق العالمية للنفط، ونأمل أن يأخذ هذا التعاون مستوى فعالا وبأكثر من أي مرحلة مضت لما لذلك من أهمية للاقتصاد العالمي فضلا عن أهميته الكبرى للمنتجين والمستهلكين على السواء.
أيها المواطنون..
لقد كان للجهود الفعالة التي بذلتها الحكومة الأثر الايجابي في التكيف مع
الأوضاع الاقتصادية والنفطية العالمية بما يضمن الاستمرارفي المشاريع الأساسية والضرورية في محتلف مناطق البلاد، واذ نعبر عن تقديرنا لهذه الجهود ولما أبداه المجلس الاستشاري للدولة والمواطنون من تجاوب وتعاون فإننا ندعوكم جميعا إلى مزيد من التكاتف وتضافر الجهود للارتفاع بمستوى الأداء في كافة القطاعات وخاصة القطاعات الإنتاجية، كما ندعوكم للتطلع إلى عامنا الجديد بكل الإيمان والثقة والإصرار على تذليل التحديات ومواصلة التقدم لتحقيق ما نرجو لبلادنا العزيزة من نماء مضطرد في مختلف المجالات..
والله تعالى نسأل أن يرفقنا واياكم لكل ما فيه الخير والصلاح..
إنه ولي التوفيق..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،