الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الأمجاد، والتابعين لهم باحسان الى يوم المعاد .
أيها المواطنون الأعزاء.
في هذا اليوم المجيد الذي فعتفل فيه بالعيد الفضي لنهضة عمان الحديثة التي بزغ فجرها المشرق بالأمل منذ ربع قرن من الزمان، يسرنا ان نتوجه اليكم جميعا بالتهنئة، مبتهلين اليه تعالى، في ضراعة وخشوع، ان يرعى مسيرتنا المباركة، وأن يسدد خطاها الثابتة الواثقة على الدرب الطويل الممتد نحو آفاق العزة الدائمة، والرقي المستمر، والامجاد المتجددة الخالدة.
أيها المواطنون..
لقد تحققت على ارض هذا الوطن الغالي خلال الحقبة الماضية، بعونه تعالى وتوفيقه، منجزات عديدة في كل ميدان من ميادين الحياة المختلفة، نقلت المجتمع العماني من طور الى طور.. حطمت اسوار عزلته التي امتدت طويلا. وخلصته من براثن الجهل والتخلف، وأوقدت فيه روحه الوثابة التي كادت جذوتها ان تخمد، فهب ماضي العزم، قوي الإرادة، مرفوع الجبين، يبني قواعد المجد، ويعلي بنيان الرقي، ويشيد اركان مستقبل واعد بالخير، دافق بالنماء، مورق بالمفاخر.
ذلك هو ما تحقق في الفترة السابقة.. وهو امر لا يجهله احد، ولا يماري فيه إلا مكابر، واعادة القول فيه إنما هو من باب التحدث بنعمة الله علينا، وفضله السابغ على هذا البلد العزيز، ومن قبيل الشكر الواجب له تعالى على ما من به وانعم. اما ما ينبغي ان نذكره، بل ان تنذكره دائما ونتدبره، فهو ان كل تلك المنجزات لم تكن لتتحقق على ارض الواقع لولا الجهد المضني، والعمل الشاق، والعزم الاكيد الصادق الذي اظهره ابناء هذا الوطن في سعيهم الدؤوب من اجل اللحاق بركب الحضارة والتقدم. لذلك فإنه يكون من واجب كل عماني مخلص ان يحافظ على هذه المنجزات، وأن يعمل على صيانتها ، وحمايتها من كل ما من شأنه النيل منها.
لقد شاركتم جميعا ، ايها المواطنون، في صياغة التاريخ الحديث لعمان خلال الاعوام المنصرمة، كل من موقعه وحسب قدراته وامكاناته، كما اسهمتم في وضع لبنات ذلك المستقبل الذي ننشده ونستشرف آفاقه. . ونحن على يقين من ان الاجيال القادمة سوف تحمد لكم ما صنعتم، وتقدر ما بذلتم، وتسعى، باذن الله، الى توطيد ما ارسيتم، وتقوية ما بنيتم، فأنتم الرواد الذين شقوا الطريق، ومهدوا السبيل، لتكون المسيرة في مقبل ايامها اكثر انطلاقا ، وأسرع حركة، وأقدر على الانعتاق من العوائق، من اجل انجاز مزيد من المكاسب الوطنية التي نتوق اليها ، ونتطلع الى تحقيقها ، ونصبو الى رؤيتها واقعا مشاهدا ملموسا على هذه الارض الطيبة.
أيها المواطنون الكرام..
في المرحلة الماضية من عمر النهضة العمانية الحديثة خضنا تجربة رائدة في مضمار التنمية الشاملة. وقد اثرت هذه التجربة خبراتنا ، وأتاحت لنا استنباط كثير من الوسائل لمواجهة المصاعب والعقبات والمعوقات العديدة التي اكتنفت طريق البناء والتعمير. ونحن اليوم والحمد لله نمتلك ذخيرة طيبة من المعرفة والمهارة والخبرة اكتسبناها من خلال العمل والممارسة. وانه لمن الطبيعي ان نستفيد من هذه الذخيرة، وأن فوظفها ، بحكمة وحنكة واقتدار، في خدمة التنمية حتى تكون النتائج في المرحلة القادمة افضل وأشمل. لذلك كان لا بد من تحديد رؤية مستقبلية للعمل التنموي تكون واضحة ومحددة المعالم.
وقد توصلنا في هذا الشأن الى ضرورة إيلاء أهمية اكبر لتنمية الموارد البشرية، وذلك من خلال تحسين التعليم العام، وتطوير التعليم الفني والتقني بما يؤ د ي الى اكساب الانسان العماني القدرات والمهارات التي تمكنه من إدارة دولاب العمل بكفاءة عالية في مختلف المجالات وخاصة تلك التي لم تتح له في الماضي القدرة على اختراقها بحكم محدودية معارفه وخبراته.
ان الانسان في كما نوهنا دائما . هو صانع التنمية وهو اداتها مثلما هو في ذات الوقت هدفها . وكل جهد يبذل في مده بالعلم النافع، والمهارة الفائقة، والخبرة المتنوعة، هو في حقيقة الامر اسهام قوي في تطوير المجتمع وبناء الدولة. وليس ببعيد عن اذهانكم ان في هذا العالم دولا لا تتمتع بموارد طبيعية زاخرة، ولكنها عنيت بالانسان.. فوجهته الوجهة العلمية الصحيحة، وصقلت مواهبه، وزودته بالخبرة الفنية والتقنية القادرة على مواجهة التغيرات والمستجدات المحلية والعالمية، فتفجرت طاقاته الكامنة، وبرزت ابداعاته وابتكاراته، وعمت اختراعاته. فكان ذلك خيرا وبركة على المجتمع، وبه استطاعت هذه الدول ان تتقدم الصفوف، وتسبق الامم.
والى جانب تنمية الموارد البشرية التي هي حجر الاساس لا بد من وضع استراتيجية متكاملة لتحقيق التنويع الاقتصادي، والعمل بكل جد ، وبكافة الوسائل، على الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية المتاحة، وايجاد مناخ اقتصادي ملائم تنمو فيه المبادرات الفردية، ويتعزز دور القطاع الخاص، وتتطور الادوات والوسائل والنطم بما يجعل عمان واحة طيبة للاستثمارات الاجنبية المفيدة التي تجلب رؤوس الاموال والخبرات العالمية من اجل تنمية حقيقية يظهر اثرها الايجابي في شتى مجالات الحياة.
ان النفط مورد ناضب، وعمره، مهما طال أمده، محدود ، ومن هنا كان من الضروري عدم الاعتماد عليه كمورد وحيد لتمويل التنمية. ولقد كان سعينا حثيثا منذ البداية لتحقيق هذا المفهوم، وتكلل السعي بالنجاح في عدة ميادين. ولكن النفط لا يزال المورد الرئيسي، وتذبذب اسعاره يشكل هاجسا مقلقا ومؤرقا للجميع. ومن ثم فإنه لا مناص من تنويع مصادر الدخل القومي بصورة اكبر وبحيث لا يشكل النفط في النهاية إلا نسبة ضئيلة في الموارد العامة للدولة. وهذا يدعونا الى حث المواطنين جميعا على الادخار والاستثمار، والاتجاه نحو الاعمال الحرة، وتطوير الصناعة والسياحة والتجارة والزراعة، واستغلال الثروات المعدنية والسمكية والحيوانية وغيرها من مجالات الاقتصاد الوطني. ان القطاع الخاص العماني عليه ان ينشط ويشمر عن ساعد الجد ويثبت كفاءته وقدرته على المنافسة وتطوير ادواته واساليبه. كما ان على الجهاز الاداري الحكومي ان يتفاعل ويتعاون مع القطاع الخاص ولا يجعل للأساليب المعقدة سبيلا للتأثير على حسن ادائه. وبذلك يمكن لمسيرة التنمية ان تبلغ غايتها المأمولة، وتنجز اهدافها المنشودة، دون معوقات وفي سهولة ويسر.
أيها المواطنون الأعزاء..
لقد حافظنا دائما خلال المرحلة الماضية على مبادئنا السياسية، ومواقفنا الثابتة النابعة من قناعاتنا وتقديراتنا الدقيقة للمسائل الاقليمية والدولية. فقمنا بتوثيق عرى الاخوة والتعاون مع الدول العربية والاسلامية، كما عملنا على تأكيد اواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على اساس من الاحترام المتبادل، والمصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والسعي الى حل المنازعات بالوسائل السلمية، ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة. وفيما يخص قضية الشرق الاوسط ايدنا السلام ودعونا الى تحقيقه على جميع المسارات بما فيها المسار السوري والمسار اللبناني وذلك على اساس من الانسحاب الشامل من الجولان والجنوب اللبناني. ونحن نؤكد هنا مرة اخرى موقفنا الثابت من هذه القضية، ونطالب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الاطراف المعنية تنفيذا كاملا و دون اختلاق اية عراقيل، وباتخاذ خطوات جادة للوصول الى حل عادل فيما تبقى من مسائل.
وفي نطاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية اسهمنا بجهد مخلص متواصل في تنفيذ التزاماتنا بمقتضى الاتفاقات المبرمة بين دول المجلس، وانه ليطيب لنا ان ننتهز هذه الفرصة لنعرب عن سعادتنا البالغة باستضافة اللقاء الاخوي المرتقب الذي سيجمعنا باخواننا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة السادسة عشرة لدول المجلس خلال الشهر القادم في مسقط ان شاء الله تعالى في فأهلا وسهلا بهم في بلدهم وبين اهلهم وذويهم، متمنين لهم ولأعضاء الوفود المرافقة طيب الاقامة وللقمة التوفيق في اعمالها وبما يستجيب لرغبات شعوب دول المجلس وتطلعاتها في تحقيق مصالحها المشتركة واهدافها المتوخاة.
شعبنا العزيز..
كان لقواتنا المسلحة الباسلة وكافة اجهزة الامن، منذ اليوم الاول لميلاد النهضة العمانية الحديثة، دور بارز في حماية الوطن وضمان امنه واستقراره. ولا يخفى عليكم ان منجزات اي بلد تبقى عرضة للتدمير والفناء، ان لم تكن هناك قوة وطنية تذود عنها. ومن هذا المنطلق عملنا دائما على تطويرها وتحديثها، ويسرنا ان نؤكد في هذه المناسبة المجيدة عزمنا الدائم على مواصلة رعايتنا لها واهتمامنا بمتطلباتها.
وتعبيرا عن اعتزازنا بها، وتقديرنا لدورها الكبير في السهر من اجل سلامة عمان، وصيانة منجزات النهضة فإننا نتوجه اليها بالتحية والتهنئة في هذا اليوم الأغر الأمجد من ايام الوطن الغالي الحافلة بالعزة والكرامة والشموخ.
أيها المواطنون..
بعد لحظات سوف تبدأ نهضتنا المباركة مرحلة جديدة من مسيرتها الظافرة التي حققت بالجد والمثابرة خلال ربع قرن من الزمان انجازات عظيمة نفخر بها جميعا. وهي مرحلة مسكونة بالآمال العراض، مشحونة بالتحديات الثقال، تقتضي منكم عزما امضى، وساعدا اقوى، وفكرا اصفى وأنقى.. مرحلة تحتاج الى عمل اكبر، وجهد اكثر، وتفان في خدمة الوطن اشد واظهر. فيا ابناء عمان الطاهرة في كل مكان.. يا جنودها البواسل في كل ميدان.. استعدوا بارك الله فيكم . لمواصلة المسيرة بكل عزم واصرار، وقوة ومضاء، فعمان بحاجة الى المزيد من البذل والعطاء، والتضحية والفداء، والعمل الجاد المثمر البناء. لذلك، فإننا ندعوكم مجددا، من أجل عمان المستقبل، الى المزيد من التعاون والتضامن، والتساند والتعاضد، والتفاهم والتلاحم، والحب والإخاء.
ومن هذا المنطلق.. هيا بنا نجاد العهد ونبدأ معا باسم الله، وعلى بركة الله، وبعون من الله هذه المرحلة الجديدة من تاريخ عمان، مبتهلين اليه تعالى ان يكتب لنا النجاح فيها كما كتبه لنا فيما مضى من عمر مسيرة الخير والرخاء، والتطور والتقدم، وان يبقي عمان وطنا للامجاد الى ان يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين.
إنه عهد وميثاق.. ((فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما)) صدق الله العظيم.
ربنا لك الحمد على ما اوليت، ولك الشكر على ما اعطيت، انت مستحق الحمد والثناء. عليك توكلنا ، واليك انبنا، فوفقنا وسدد خطانا، واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا.
وكل عام وانتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته