والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الشعب الأبي :
من عادتنا كل سنة أن نحتفل معا في مثل هذا اليوم لنحمد الله العلي القدير، على ما أسبغه على عماننا الحبيبة من نعم وبركات، ولنجدد العهد لخدمة هذه البلد المعطاء والعزيز على قلوبنا جميعا.
واليوم ونحن نحتفل بعيدنا الوطني العاشر ، علينا أن نتذكر الكفاح الذي خضناه معا طوال العشر سنوات الماضية، لتحقيق الأمن والرخاء لبلدنا، والحرية والكرامة والتقدم لكل فرد يعيش على ترابه الطاهر.
فقبل عشرة أعوام عندما بدأنا مسيرتنا على ذلك الطريق الطويل والشاق، لم يكن لدينا ما يدعمنا ويؤازرنا سوى الايمان بما قدره الله عز وجل .
كنا فقراء في كل شيء ، لكن كنا أقوياء صانتنا وعقيدتنا وفي عزمنا وإصرارنا على النجاح رغم كل العراقيل والعقبات التي كانت تعترضنا. لم يكن لدينا مستشفيات للعناية بصحة المواطنين، ولا مدارس لتعليم أجيالنا الصاعدة وإعدادهم ليأخذوا مكانهن في العالم، ولا خدمات اجتماعية للعناية بالعجزة والمعوزين وتقديم المساعدات لهم، ولم يكن لدينا جهاز حكومي يمكن معه تنظيم وتنمية مصادر بلدنا . وكان الكثير من أبنائنا ذوي المواهب قد تركوا البلاد بعد أن يئسوا من الأوضاع التي كانت سائدة فيها حينذاك ، سعيا وراء الرزق في أماكن أخرى. وعلاوة على ذلك كنا نواجه حربا وحشية بشعة، كانت تشنها ضد شعبنا جماعات غرر بها، وكانت تدعمها تلك القوى الشريرة ذاتها التي حولت حياة الملايين في هذا العالم الى بؤس وشقاء وعبودية. ولقد تعهدنا بالتغلب على هذا وإذا نظرنا الى الوراء من خلال تلك السنوات ، في ضوء الانجازات التي استطعنا تحقيقها على أرض عمان بعون الله، يمكننا أن ندرك تماما جسامة المهام الملقاة على عاتقنا في تلك الأيام. فقد كان علينا أن نتحمل الكثير من المشاق والصعاب، وأن نتغلب على الكثير من النكسات المخيبة للأمل، ولم يكن لدينا المواجهة تلك التحديات والصعاب سوى الكفاح بكل ما أوتينا من قوة، وفي كل ميدان من أجل استقرار بلدنا وعزتها، ولو اخفقنا في مواجهة تلك التحديات وتقاعسنا عن القيام بالمهام الجسيمة التي واجهتنا لكان المستقبل مظلما بدون ريب، والحمد لله أننا لم نفشل، وتضحياتنا لم يذهب عبثا.
واليوم فان نتائج ذلك الكفاح ، وتلك التحديات تبدو ماثلة لنا جميعا وللعالم بأسره. وبجهودنا الموحدة، وبمساعدة أصدقائنا المخلصين الذين وقفوا الى جانبنا في أوقات المحنة، وفوق كل شيء بفضل عناية الله عز وجل وحمايته واستطعنا أن نتحقق لبلدنا الحبيب، ذلك الأمن والحرية والتقدم.
واليوم باستطاعة كل عماني أن يرفع رأسه عاليا ودلالة على فخره واعتزازه بإنجازاتنا التي حققناها. إن الخدمات الطبية الحديثة أصبحت متوفرة لكل مواطن، ولدينا الآن أكثر من مائة ألف طالب وطالبة يتلقون التعليم في مدارسنا ، كما أن وسائل العلم والتكنولوجيا الحديثة قد سخرت لحاجاتنا. ومن ناحية أخرى فإن خطتنا الخمسية الأولى قاربت على الانتهاء ، اظهرت بوضوح ان اقتصادنا قائم على أسس قوية وسليمة، أما في داخل البلاد فإن أبناء شعبنا يتمتعون بكامل الحرية في تسيير شؤون حياتهم كما كسبنا لأنفسنا مكانا في أسرة المجتمع الدولي يوحي بالاحترام الثقة.
لكن في الوقت لذي نحمد الله على هذه النعم، ونعرب عن سرورنا وبجهتنا لنجاح جهودنا ، يجب ألا ننسى أولئك الذين لو لا تضحياتهم الذاتية وتفانيهم في أداء واجبهم الوطني لما استطعنا تحقيق كل هذا. وأعني بهؤلاء ضباط وجنود قواتنا المسلحة البواسل، بما فيهم رجال فرقتنا الوطنية الاشداء الذين ننظر إليهم في هذا اليوم المجيد بعين ملؤها الفخر والتقدير والعرفان بالجميل. ان ثباتهم في ارض المعركة، وصمودهم في وجه العدو طيلة سنوات كفاحنا، واندفاعهم لبذل أرواحهم رخيصة للدفاع عن بلدنا، مكننا من بناء عماننا الحديثة. إن عطاءهم سيظل سفيرا لماضينا ونبراسا لمستقبلنا.
أيها المواطنون الأعزاء.
ثمة أشياء كثيرة يجب أن نحمد الله عليها، لكن في حين يتوجب علينا أن نستمد الثقة والقوة من إنجازاتنا، لا يسعنا في الوقت ذاته إلا أن نوجه أنظارنا الى المستقبل، وأن نقود من عزائمنا، وأن نعتبر السنوات العشر الماضية بمثابة المرحة الأولى المجهود لا يعرف الكلل ولا الملل، ولا يقف عند حد لذلك لا بد من مواصلة العمل بكل عزم وإصرار، وأن لنفكر بأننا قد أنجزنا مهمتنا وانتهى الأمر، فالاعتماد على الذات يحب أن العنصر الأساسي لكل مشروعاتنا وخططنا للمستقبل . لذلك فان جهودنا أن تواجه كل شيء الى تقوية اقتصادنا، وتنويع مشاريعنا الاقتصادية للتقليل من الاعتماد على المصدر الواحد (النفط). ولتحقيق هذا الهدف يجب أن لا نبدد جهودنا ومصادرنا في إقامة مشاريع مترفة لا معنى لها، بل يجب أن نوجه كل شيء لتحسين مستو حياة كل أفراد الشعب باستمرار، ولتقوية الدعائم الأساسية، والأمن والاستقرار في ربوع وطننا.
هذا هو الهدف الذي ترمي اليه خطتنا الخمسية الثانية، التي ستوضع موضع التنفيذ في أوائل العام المقبل. وعلى مدى السنوات الخمس القادمة سننفق أكثر من سبعة آلاف مليون ريال عماني على تنفيذ المشاريع الرامية الى تحقيق هذا الغرض، وستلقى مشاريع الطاقة الكهربائية وتمديدات المياه، وإنشاء الطرق والمساكن والمرافق العامة، والخدمات الاجتماعية اهتماما خاصا، كما ستحظى مشاريع التنمية الزراعية والثروة السمكية بنفس الاهتمام، وهذان قطاعان نعتزم تطويرهما الى الحد الذي نحقق فيه الإكتفاء الذاتي لبلدنا. وستعم فوائد هذا البرنامج الضخم – بإذن الله – كل أرجاء السلطنة، من أقصى موضع بشبه جزيرة مسندم شمال،إلى أقصى موضع بالمنطقة الجنوبية جنوبا. وفي نفس الوقت ستتخذ الخطوات اللازمة لتعليم شبابنا وإعدادهم الإعداد الكافي ليصبحوا علماء واختصاصيين في الطب والهندسة والزراعة ، وغير ذلك من فروع الاختصاص الأخرى، التي سنحتاج اليها كلما استمرت عملية تطوير بلدنا على اسس عصرية بالتوسع السريع. ومن أجل تحقيق هذا الهدف قررنا إنشاء (جامعة قابوس) في نزوى، يتلقى فيها ابناؤنا ثمار العلم والمعرفة على أعلى المستويات العالمية، بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.
لقد حدث في كثير من أنحاء العالم أنه كلما أخذت دولة حديثة بركب التطور والتقدم، كلما زادت تعقيدات جهازها الحكومي، بحيث أن أعمال ذلك الجهاز تميل الى أن تصبح غير شخصية بصورة متزايدة، وبعيدة كل البعد ذلك عن تفهم حاجات المواطنين. هذه حالة لن نرضى بها، ولن نسمح بها في عمان لذلك وحرصا منا على خدمة المواطنين، فقد أصدرنا أوامرنا الى هيئة متخصصة، لإجراء دراسة بهذا الشأن، وتقدم توصيات لتوسيع قاعدة الجهاز الاستشاري الحالي – من المواطنين – لحكومتنا ، وذلك من أجل أخذ رغبات وحاجات المواطنين بعين الاعتبار في رسم سياستنا الوطنية
أيها المواطنون الأعزاء.
اننا حين نعمل ونخطط للتطوير المادي والاجتماعي لبلدنا يجب أن نضع دائما نصب أعيننا حقيقة وهي: أن قوتنا لا تكمن في الازدهار المادي وحده، بل إن قوتنا الحقيقية تكمن في التراث العماني العريق، وشرائع ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. لذلك يجب أن ندع الأشياء المادية والأفكار الدخيلة تستحوذ على مشاعرنا الدرجة تجعلنا ننسى تراثنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة. كذلك يجب علينا أن نعتز ونحافظ على هذه الأرض الطيبة من كل يريد العبث بطبيعتها الجميلة التي وهبها الله لها. ان حماية المصنوع والطبيعة الموهوبة واجب وطني على كل فرد منا تحمل مسؤوليته نحوهما. وإنه من الواجب علينا تشجيع صناعتنا التقليدية وتطويرها حتى نضمن استمراريتها، كذلك يجب علينا المحافظة على كل خلق علمائنا ومفكرينا الأوائل ليبقى كل ذلك ويصبح مصدر اعتزاز لأجيالنا القادمة.
هذه اذن هي الخطوط العريضة والمبادئ التي تمدنا بالقوة التي تمكننا من القيام بواجباتنا في المستقبل، وهي خطوط ومبادئ اذا اتبعناها باخلاص، واذا دفعنا عنا بكل طريقة ممكنة، فاننا بذلك نضمن تقدمنا باستمرار، وتعزير قوتنا الذاتية.
أيها المواطنون الأعزاء .
يجب أن لا ندع مجالا للشك في نفوسنا حول ما للجهود المتواصلة لبناء قوتنا من أهمية لبلدنا وشعبنا، ففي السنوات الماضية تزايدت حالة عدم الاستقرار العالمي، وعدم استقرار هذه المنطقة الى درجة خطيرة. وفي الأشهر الأخيرة خاصة وصلت حالة عدم الاستقرار الى حد هدد السلام العالمي بالخطر، وسبب ذلك مرده الى فشل حل مشكلات قديمة وعويصة من جهة، والى قيام بعض الدول بأعمال خطيرة لا تتسم بالمسؤولية من جهة أخرى ، لكن السبب الرئيسي والأهم يرجع الى طموحات وأطماع الاتحاد السوفييتي التي لا حدود لها، والذي عمل على تشجيع حالة عدم الاستقرار عن قصد، واستغل الوضع العالمي الراهن لملحته الذاتية، وكانت النتيجة أن العالم الحر اليوم يواجه خطرا يهدد كيانه ووجوده، خطرا اذا لم يسرع هذا العالم الى اتخاذ اجراءات حاسمة وموحدة لمواجهته فان الحرية التي كافح وعانى من اجلها الكثير من الشعوب ستفقد بدون شك بحيث لا يمكن استردادها .
أيها المواطنون الأعزاء.
لقد نوهت عمان مرات عديدة الى هذه الأخطار، ولكنها لم تلق آذانا صاغية، لقد دعونا أشقاءنا الى الانضمام معنا، ومساعدتنا في الحفاظ على آمن واستقرار هذه المنطقة، التي ليس حيوية بالنسبة لنا فحسب، بل بالنسبة للعالم ككل، لكن دون جدوى. لذلك وبما أننا مهددون – ونحن ما زالت لدينا ذكريات حية ومريرة عن حقيقة وشكل ذلك التهديد – لا نملك خيارا سوى طلب المساعدة من أولئك الذين سيمدوننا وبالوسائل التي تمكننا من الدفاع عن أنفسنا.
اننا نعتبر أنفسنا أعضاء في العالم الثالث، ونحن نفخر ونعتز بانتمائنا العربي، وليست لدينا رغبة في توريط أنفسنا في صراعات الدول العظمى أو خدمة مصالح الآخرين . كل ما نريده فقط هو أن نترك وكل بلدان المنطقة في سلام، وأن نلعب دورنا في خدمة قضية السلم العالمي، وهنا لا بد من أن نؤكد للجميع أن رغبتنا في السلام لا تنبثق من شعور بالضعف، نحن اذا تعرضنا الى أي عدوان فإننا سندافع عن بلدنا بكل قوانا.
أيها المواطنون الأعزاء .
قبل عشرة أعوام عندما تسلمنا مسؤولية السير ببلدنا الى السنوات التي تنتظرنا، وكرسنا حياتنا لهذه الغاية، عاهدتكم بأن فجرا جديدا سيطل على عمان، فجرا يعطي شعبنا حياة جديدة، وأملا جديدا للمستقبل. وبعون الله ورعايته وفينا بذلك العهد معا،ونحن اليوم نقف على أعتاب جديد آخر يتطلب منا أن نظهر عزمنا وإصرارنا على مواجهة تحدياته . أن الطريق التي ما زالت أمامنا ليست سهلة، بل تكتنفها صعوبات جمة. كما أن الأخطار المحدقة بنا لن تتراجع بين عشية وضحاها، بل قد تزداد بقينا مخلصين صادقين لتراثنا العظيم ، وديننا القويم، واذا وطدنا العزم على السير معا على الطريق التي اختارها الله لنا، فاننا سوف ننجح، وسيكون النصر حليفنا بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكل عام وأنت بخير..