أوسلو في 15 ابريل 2005
شورى غريبة على المشهد العربي كله، فالقائد هنا لا يجلس في قصره يتابع تقارير مستشاريه كما في معظم دول عالمنا الثالث التي يخرج فيها الزعيم مرتين: الأولى لدى افتتاح مشروع وتحضره كل كاميرات التلفزيون، والثاني في استقبال أو وداع ضيف كبير.
خمسة وثلاثون عاما هي عمر النهضة العمانية ولا يزال السلطان قابوس بن سعيد ملتحما بأبناء شعبه، ومعبرا عن خلجاتهم، ومحققا أمانيهم، وواعدا بأقصى امكانياته لمستقبل مشرق.
الجولات السلطانية حالة نادرة من الشورى التي يختصر بها السلطان قابوس كل الأنظمة الديمقراطية والحوارات والعلاقة بين الشعب وزعيمه، فيخرج العاهل العماني في جولات يقطع خلالها آلاف الكيلومترات، ويدخل قرى وواحات ووديانا، ويخترق صحراء، ويجتمع بأبناء شعبه، ثم يعطيهم أذنا صاغية للتعرف على مالا يستطيع أي مستشار أن يأتي به أو تصوره كاميرا مخرج محترف أو ينقله ساتالايت.
ومن هنا تخرج التوجيهات، ولا يستطيع وزير أو محافظ أو أحد الولاة أن يصور للسلطان مشهدا غير صحيح، أو يقدم مشروعا يحمل فشله معه.
عبقرية الجولات السلطانية تجعل توجيهات العاهل العماني كأنها خارجة من عمق الرغبة الشعبية الكامنة في الصدور ولكن بتوجيهات سامية.
يقول السلطان قابوس في جولته الأخيرة: إن مهمة كل مخلوق على هذه البسيطة هي أن يكسب رزقه، ونحن كحكومة مسؤولون عن أن نعمل قدر الامكان لا يجاد هذه الفرص بكل الوسائل المتاحة.
ثم يتطرق إلى عدد أفراد الأسرة، فينصح، ويشرح، لكنه، وبحكم معرفته بعادات وثقافة وتقاليد شعبه،يقف في الخط الفاصل بين الضغط في اتجاه تحديد النسل، أو الصمت وترك الأمور تجري لمستقر لها.
السلطان قابوس يستمد عبقرية حكمه من شيئين: الأول، الحديث مع أفراد شعبه عن كل شيء وبتفاصيل لا تترك مجالا لسوء الفهم، فهو يتحدث عن السوكيات، والجد في العمل، والتعمين، وقبول أي وظيفة، وتربية الأبناء، والتطرف، والنظافة، والمياه، ومشاكل الطلاب، وخصوصيات المرأة، ورعاية المعاقين، وميزانية الدولة بدون رتوش أو مبالغة، زيادة أو نقصانا.
السلطان قابوس تمكن من أن يجعل العمانيين يمارسون حبهم لبلدهم في قيمة العمل والعطاء والسلوك والمشاركة معه في تخطيط المستقبل الواعد لنهضة حققت المعجزات ولا يزال قائدها يوحي لشعبه أنه يخطو الخطوات الأولى لكي يظل الحماس متوهجا في الصدور.تحية لرجل وعد منذ خمسة وثلاثين عاما وأوفى بوعده وعهده.