الناس على دين ملوكهم.
شغلني كثيرا موضوع العلاقة بين السلطة والشعب، بين الزعيم وأبناء وطنه، بين القائد ورعيته، ولا تزال قناعاتي راسخة في أن القائد هو الذي يصنع الشعب، وليس العكس!
تاريخ الزعماء عبر الزمن والجغرافيا يؤكد هذه الحقيقة التي لا ينكرها قاريء مبتديء في ألف باء التاريخ!
الفكرة صناعة القصر، وتتلقفها آذان أفراد الشعب، فإذا كان الزعيم صاحب مشروع قومي أو وطني أو حضاري فإن الدولة برمتها تتوجه ناحية أحلامه، وصوب أفكاره، وتحت جناح توجيهاته.
مهاتير محمد كان صاحب مشروع تنموي حضاري يخرج بلده من أزمات طاحنة، وفي خلال فترة حكمه التي بدأت عام 1981 تمكن الرجل من استخراج طاقات كامنة في نفوس الشعب الماليزي، وحقق معجزات جعلت ماليزيا واحدة من أهم نمور القارة الآسيوية.
جان بيدل بوكاسا رجل حكم جمهورية أفريقيا الوسطى، وانشغل بنفسه حتى أنه اقترض من فرنسا 22 مليونا من الدولارات ليقيم حفل تتويجه لنفسه إمبراطورا، ووصلت إمبراطوريته الوهمية في عهده إلى أدنى سلم الفقر والجهل.
الزعيم يصنع الشعب، وقبل وصول السلطان قابوس بن سعيد إلى الحكم عام 1970 كان العمانيون أيضا على دين ملوكهم، فهربت الدولة إلى هامش التاريخ، وتناساها المؤرخون، ولم يكترث لها السياسيون، وقبعت ثرواتها الأرضية والمائية والبشرية في سكون كأنه الموت.
دولة كانت سفنها في زمن ما تأمر موج البحر فيخضع لها، ويراقبها الجيران وقوى الاستعمار البحري وهي تمخر عباب البحر فيعرف الجميع من لشبونة إلى زنجبار أن العمانيين هم حراس المياه الدافئة.
كيف كان يفكر أو يحلم الشاب الأسمر قابوس بن سعيد وهو يجلس على قمة جبل يترامى البصر منه إلى آفاق لا نهائية لو لجأت آنئذ إلى عفريت من الجن لتحقيق معجزة كما فعل مع عرش ملكة سبأ المجاورة لتردد سبعين مرة قبل أن يوافق على استحياء!
كيف كانت أولويات هذا العاشق الشاب لوطن يئن من الفقر والجوع والتصحر والجهل ومن أرض تتكرم بكنوزها على جيرانه، باستثناء اليمن، وتبخل على سلطنة عمان فلا تعطيها إلا ما يسد الرمق؟
من أراد الحديث عن سلطنة عمان فينبغي أن يرسم المشهد العماني منذ أربعين عاماً، ثم يمسك ورقة وقلما ويكتب أولويات الاصلاح والاعمار والتنمية والتطور، وأغلب الظن أنه سيغشى عليه من هول الصدمة.
القائد يصنع، ويعطي الفكرة، ويمسك بقبضته وحدة الوطن من كل حدوده، ويضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه افساح المجال لفساد ينخر في عظام وطن، ويبدد طاقات شعب، ويهدر خيرات أمة.
كتبت من قبل بأن الشعب العماني محظوظ بسلطانه، وأن السلطان قابوس هو أيضا محظوظ بالشعب العماني الذي وضع كل ثقته في توجيهاته، وترك له القيادة مؤمنا أن معجزة غير طبيعية ستعيد هذا البلد إلى التاريخ والزمن والعصر الحديث.
القيادة ليست اخلاصا فقط أو صرامة أو حكمة أو حنكة وذكاء، لكنه فن الادارة على مستوى الوطن، وأحسب أن السلطان قابوس بن سعيد سيحجز له التاريخ مكاناً خاصاً تتدارس فيه أجيال بعد أجيال واحدة من أهم معجزات العصر.
محمد عبد المجيد
أوسلو في 13 نوفمبر 2009